العياشي هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر المكنى أبو سالم، نسبة إلى قبيلة آيت عياش البربرية القاطنة بنواحي سجلماسة جنوب غربي المغرب الأقصى؛ وقد ذكر له المترجمون ثمانية تآليف منها الرحلة العياشية (ماء الموائد). قرأ العياشي على شيوخ عصره.
لم يكثر العياشي من وصف مدينة القدس، فلم يتحدث عن أسواقها وتجارها وجالياتها وحرفها، وإنما وصف المسجد الأقصى، وتحدث، كعادته، عن بعض علماء البلاد، ولا سيما بعض المتنفذين منهم، كما تحدث عن قبة الصخرة، وزاوية المغاربة، وبعض أبواب المدينة.
وعند دخولهم القدس الشريف، صلوا العصر بقبة الصخرة، ووضعوا حوائجهم في زاوية المغاربة. وهناك التقى العياشي بالشيخ محمد الصيداوي، نقيب رواق الشيخ منصور، وكان الرواق يقع تحت صحن الصخرة المقدسة، وقد احتفى الشيخ الصيداوي بضيوفه وأعطاهم بيتاً إزاء الرّواق داخل المسجد، فاغتبطوا بذلك لأنهم سيتمكنون من الجلوس في المسجد والصلاة فيه متى شاءوا.
وقد خص العياشي المسجد الأقصى بأوصاف كثيرة. فهو مسقف كله، وهو رفيع البناء، وتصلى فيه الجمعة، وفيه مكان معلوم صلى فيه الخليفة عمر بن الخطاب، وفي ركنه الشرقي مزار يقال له مهد عيسى، وله طاقات واسعة يشرف منها الناظر على الوادي الذي يسمى وادي جهنم، وتحت المسجد الأقصى مسجد آخر واسع جداً مرفوع على أساطين من حجارة منحوتة، وهي من البناء السليماني واقتصر في روايته على ما شاهده شخصياً “بعض ما رأيناه وزرناه”.
ومن هذه المشاهدات والمزارات حجرٌ خارج بعض أبواب المسجد يتبرك به الناس على أنه مربط البراق. وقد غلب العشب والكلأ اليابس على الناحية الشرقية من المسجد، فلا يقدر المرء على المشي فيها بلا نعل لكثرة شوكها، ويعتقد الناس أن سماء القدس دائماً فيها غيم، فلا تظل صافية كامل اليوم. ولعله يريد أن يقول إن ذلك من الكرامات. ثم إن أرض القدس أرفع مكان وأقرب مكان إلى السماء.
ومن المزارات خارج البلدة طور زيتا الواقع بين المسجد والوادي الكبير (وادي جهنم)، يشرف طور زيتا على القدس كله وعلى ما حوله. وفي أعلى طور زيتا مزارة يقال إن منها رفع عيسى عليه السلام. وكانت هذه المزارة في يد النصارى، ولكن الشيخ محمد العلمي هو الذي سعى إلى استعادتها منهم إلى أن نجح في ذلك. وقد بنى الشيخ تحت المزار مشهداً أو رباطاً، وفيه قبره. وأخبر العياشي أن هذا المكان يوجد تحت يدي أولاد الشيخ، ومنهم عمر العلمي.
وفي أعلى جبل الطور قبرُ رابعة العدوية، وهو في مغارة تحت الأرض، وقبر مريم الذي يوجد في كنيسة بأصل الوادي، وكان في عهد العياشي بأيدي النصارى. وقال إنه تحرج من الدخول إلى هذا القبر، فاكتفى بزيارته بالعين من الخارج.
وذكر من المزارات عين سلوان التي توجد في أسفل الوادي، ولم يصل إليها أيضاً ولم يزرها إلا بالعين، وأرسل من جاءه منها بماء، لأن الآثار وردت بفضل هذه العين حسب قوله، وقد أخبر أنها ليست عيناً جارية على وجه الأرض، وإنما هي في شكل حوض ينزلون إليه بأدراج؛ وهناك قبر شداد بن أوس وقبر عبادة بن الصامت، وكلاهما تحت سور المسجد الشرقي؛ وفي المكان نفسه مقبرة عظيمة. وفي سور المسجد حول القبرين المذكورين صخرة عظيمة ذات أذرع قيل إنها من آثار النبي سليمان، وموضع يقال إنه هو عرشه وهو حول باب المسجد الموالي لناحية الوادي.
وفي غرب مدينة القدس مزارات أخرى منها موضع يقال إنه قبر النبي داود. وكان في الماضي تحت إشراف النصارى، ولكن الشيخ محمد العلمي أو غيره من الصالحين استعاده منهم.
كان العياشي يريد زيارة قبر موسى أو الخليل، وكان الوقت ضيقاً، وخشي من ضياع الفرصة، فكان قلقاً، وهو لا يستطيع إطالة الإقامة، لأن عليه أن يلتحق بالركب المغاربي في القاهرة في وقت معلوم.
وقد أشار عليه بعضهم بالحديث إلى قاضي القدس محمد النفاتي. وهذا الشيخ تونسي الأصل. وقد تقلد قضاء القدس بعد أن قدم من إسطنبول، وكانت للشيخ النفاتي وجاهة عند السلطان وعند العسكر، ولاحظ عليه العياشي أنه لا يملك قوة الحافظ العلمية، وإنما كان ينتمي إلى الصلاح بسبب أسلافه.
اتصل العياشي بالشيخ النفاتي، فأكرمه إكراماً زائداً، وأظهر البهجة والسرور به، وطلب من أصحابه أن يهيئوا المنزل وضرورات المعيشة للعياشي ورفيقه. ولكن العياشي أخبره أنهم قد نزلوا في بيت بالمسجد الأقصى، وأنه لا يمكنه التحول منه لراحتهم فيه وقربهم من المسجد، فاكتفى النفاتي بتوفير حاجتهم من لحم وخبز ونحوهما. وكانت هذه الحاجات تذهب إلى منازلهم يومياً. ويخبرنا العياشي أنه نظم قصيدة وقدمها إلى الشيخ النفاتي “مكافأة له على بره” وإحسانه
أخبر العياشي أنه لقي في القدس أيضاً أحد علماء مصر، واسمه شهاب الدين الحنفي. وأشار العياشي في عدد من المرات إلى أسلاف أسرة العلمي، ولكنه عاصر الشيخ عمر بن عبد الصمد بن محمد والتقى به واعتبره من شيوخه. وفي اليوم الثاني من حلول العياشي بالقدس، دعاهم الشيخ عمر العلمي إلى داره (الجمعة 18 صفر 1074هـ).
وهكذا نرى أن العياشي لم يكن مهتماً بالحياة الاقتصادية والاجتماعية لمدينة القدس. ولم يسجل أسعاراً ولا بضائع ولا عدد سكان وأجناسهم ومعاشهم، وكان اهتمامه في الأساس بالجوانب الدينية كالمساجد والزوايا والربط، والجوانب الروحية كالانتماء إلى الطرق الصوفية، ولا سيما الرفاعية، والحصول من أصحابها على إجازات وشهادات. وكان يقدم بين يدي شيوخه الجدد بعض الأشعار للشكر والتقدير. وقد نفهم أن العياشي أراد أن يسجل في رحلته عن القدس وغيرها ما كان يشغل بال متعلمي المغرب عندئذ، وهي شؤون الدين والتصوف وأسماء المشتغلين بهما في المشرق.