في الحروب الحديثة يُشار إلى العمليّات النفسيّة سلاحًا معززًا للمجهود العسكريّ الميدانيّ، بحيث لا يمكن حسم المعركة دون بذل المجهود النفسيّ القادر على الإقناع والتّأثير في الجمهور المستهدف، وبالتّالي القدرة على تغيير سلوكياته، وقد تحلّ العمليّات النفسيّة -في ظروفٍ ما- بديلًا عن القوّة العسكريّة، نتيجة قدرتها على تحقيق بعض أهداف الحرب؛ إذ تتميز المجهودات النفسيّة بمحدوديّة تكلفتها مقارنةً بنظيرتها العسكريّة، وإمكانيّة إخفاء الجهة القائمة عليها، واعتمادها على قاعدة اللاعنف، وبالتّالي تحرّر الدولة من قيود الملاحقات القانونيّة الدوليّة.
مع تطور وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات أصبحت العمليّات النفسيّة أكثر تأثيرًا وأوسع انتشارًا، نظرًا إلى حجم الوجود البشريّ الهائل في شبكة الإنترنت وتطبيقات الإعلام الاجتماعيّ، الذي سهّل عمليّات رصد سلوكيات المجتمع وتوجهاته واهتماماته، وبالتّالي التعرف إلى مواطن الضعف والقوّة فيه. وفي هذا النطاق نشطت إستراتيجية "الاغتيال المعنويّ"، التي تستخدم أساليب نفسيّة منطقيّة وعاطفيّة؛ للقضاء على سمعة الهدف ومكانته الاعتباريّة والمجتمعيّة، بهدف تحييده عن عملٍ محدد، أو دفعه إلى القيام بسلوكياتٍ معينة.
بنظرة متعمقة في تاريخ الحروب يتبين أنه قد استخدم "الاغتيال المعنويّ" في ظروفٍ مختلفة، إنّما بأساليب بدائيّة؛ فمثلًا: في ذروة الحرب العالمية الثانيّة حصل البريطانيون من أسرى الأسطول البحريّ الألمانيّ على معلومات عن القادة العسكرييّن الألمان، الذين يترددون إلى الملاهي الليليّة وبيوت الدّعارة في مينائي برست وكيل، ثم عالج البريطانيون هذه المعلومات، وبنوا في إثرها قصصًا مؤثرة، قائمة على مبدأ "الجنود في خط الدفاع الأول عن البلاد، والقيادة تتسكع في الملذّات"؛ فأذاعت محطات بث "مجهولة المصدر" هذه القصص في ألمانيا، الأمر الذي أحدث ضجيجًا ألمانيًّا داخليًّا، ودفع ضباطًا ألمانيين إلى الانتحار.
ضمن عمليّات قضم قدرات المقاومة يجدّ الاحتلال في بعض الظروف العمليّات العسكريّة غير ملائمة، نظرًا إلى تكلفتها الباهظة، الأمر الذي يدفعه إلى الاستعانة بإستراتيجيّة "الاغتيال المعنوي"، من أجل تحييد عناصر المقاومة المؤثرين في مجال مراكمة القوّة، أو خفض معنويات الجمهور الفلسطيني وزعزعة ثقته بالمقاومة ورموزها، ويرتبط لجوء الاحتلال إلى "الاغتيال المعنويّ" بأسبابٍ أخرى تتعلق بأمورٍ مهمّة، مثل: تطور قدرات المقاومة العسكريّة، وبالتّالي جهوزيتها العاليّة، والإخفاقات العسكريّة المتواليّة في غزّة، وإنجازات المقاومة على صعيد العمل الاستخباريّ.
يمكن الجزم -على نحوٍ تعميمي- بأنّ عمليّات "الاغتيال المعنويّ" التي يشنها الاحتلال ترتكز على أساليب عدّة، أكثرها أهميةً واستخدامًا: أسلوب تهديد الهدف مباشرةً بالقتل أو الإضرار المادي، وذلك بالاتصال عبر هاتف الهدف أو حساباته في مواقع الإعلام الاجتماعي، وأسلوب تهديد الهدف بشكلٍ غير مباشر بإرسال طرود بريديّة إلى أماكن وجوده أو الكتابة على جدران الشوارع في محيط سكنه، وأسلوب حرق/ كشف هوية الهدف ومجال عمله السريّ بنشر صور الهدف ومعلومات عنه، وأسلوب الافتراء على الهدف باختلاق أكاذيب محبوكة بدقة.
وفي سياق مواجهة عمليّات "الاغتيال المعنويّ" المعاديّة لا بُدّ من تحديد أهدافها ووسائلها وأساليبها، كما أشرنا أعلاه، وبالنظر إلى ذلك بالإمكان صوغ محددات وقائية عامة ومضادة لها، تتمثل في: أولًا: تعزيز الوعي الجماهيريّ في مجال العمليّات النفسيّة المعاديّة ومخاطرها، ثانيًا: تأكيد إجراءات الأمن الفردي، خاصةً في مواقع الإعلام الاجتماعي، ثالثًا: تجاهل عمليّات "الاغتيال المعنويّ" المعاديّة، وعدم تداول موضوعاتها في أوساط المجتمع، رابعًا: الحفاظ على الأسرار ومنع تسربها، حتّى لو بشكلٍ غير مباشر.
وبموازاة الجهود النفسيّة المضادة يجب على المقاومة المبادرة بتنفيذ عمليّات "الاغتيال المعنويّ" في جانب منظومات الاحتلال ورموزها، وذلك بالاستناد إلى البحوث الاستخبارية المجراة في المجال ذاته؛ إذ تمتلك المقاومة أدوات ومعلومات مهمّة وحسّاسة، قد تتسبب في إعاقة أعمال الاحتلال، تحديدًا في مجال الاستخبارات.
عمومًا تنطلق عمليات الاحتلال من قواعد غير أخلاقية، تحكمها أخبث الأساليب وأقذرها، ما يتطلب من المجتمع المزيد من الثقة بالمقاومة، والتحصن بإجراءات الوقاية من العمليّات النفسيّة المعاديّة.