يعاني سوق العمل المحلي من ثغرات واختلالات كبيرة في إطاره القانوني والمؤسسي لحماية العمال وضمان الإدارة السليمة لسوق العمل، ولا تزال أطراف العمل تواجه صعوبات في تطوير مؤسسات قوية ومستقلة تحظى باحترام واسع النطاق، وتستند إلى التدخلات والمشاورات مع الهيئات الثلاثية، فسوق العمل أحد أهم وأكبر القطاعات التي تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة لفهم بيئة العمل ومعالجة الوضع القائم من خلال حوكمة هذه السوق وتفعيل أدوات الشفافية والعدالة للمصلحة العامة.
وتشير حوكمة سوق العمل إلى مجمل السياسات والأعراف والقوانين واللوائح والمؤسسات التي تؤثر على مركبات سوق العمل وجوانب الطلب والعرض في العمالة، فقانون العمل ميثاق رصين لحوكة السوق ومثال على مصدر سياسات ناظمة ومطورة لأحوال العمل، كما أن تفعيل الحوار الثلاثي واللجان الحكومية وغير الحكومية ذات التدخلات الهادفة لتحسين شروط وظروف العمل تعبر عن شكل ممنهج لحوكة سوق العمل.
إن توفير سوق العمل الجاذب وتفعيل الأنظمة الرقابية والقانونية لضمان حقوق أطراف العمل في ظروف الدخول والخروج من السوق وتنظيم الصيغة التعاقدية لحماية السوق من التدهور والتلاعب هي أهداف رئيسة لهذا النوع من الحوكمة، والتي تعتبر عملية مركبة تستند إلى أدوات متعددة يأتي في مقدمتها بناء نظام معلومات سوق العمل وتقييم وضعه الحالي، وكذلك بناء قدرات الأطراف المشاركة في السوق، وعلى رأسها وزارة العمل كونها المسؤولة عن ضبط وتنظيم سوق العمل، فتعزيز نظام تفتيش العمل لتأمين ظروف وشروط عمل لائقة ومعالجة سوء معاملة العمال، ووضع آلياتٍ فعالة لمنع المنازعات ومعالجة الشكاوى العمالية الفردية والجماعية وتسويتها، وتفعيل إدارة التشغيل وحوكمته ضمن الضوابط القانونية، هي تدخلات جوهرية لحوكمة السوق، ما ينتج عنه إنتاج إطار تشريعي جديد لسوق العمل تتم صياغته ومناقشته مع الأطراف الثلاثية، وإنشاء بيئة حوار اجتماعي ثلاثية ديناميكية، وكذلك تحسين الأنظمة لتعزيز الصحة والسلامة المهنية على المستوى الوطني.
اقرأ أيضًا: العرض والطلب في سوق العمل
اقرأ أيضًا: سياسات سوق العمل
إن النسبة الكبيرة لقطاع العمل غير المنظم وغياب الحماية والضمان الاجتماعي للعمال مع القيمة المتدنية للأجور بشكل عام وفي مختلف القطاعات الاقتصادية مع عدم إغفال قلة أو انعدام عقود العمل، كل ذلك يدفع وبما لا يدع مجالًا للشك إلى ضرورة بناء نظام لحوكمة سوق العمل وتنظيمه، ما يوفر فرص عمل لائقة ومستدامة ويحسن العلاقات الصناعية مع تطوير وإصلاح دستوري في مجال العمل والعمال.
ومن الجدير بالذكر أن حوكمة سوق العمل لا تتعلق فقط بالحكومة أو الدولة، بل إن القدرات والتدخلات والعلاقات لأطراف العمل (أصحاب العمل والعمال) جوانب لا تنفصل عن عملية الحوكمة المنشودة، وبالتالي، فإن مجموعة العوامل كالإطار التنظيمي، وفعالية نظام إدارة العمل، وتفعيل مختلف المؤسسات الثلاثية التمثيلية لأصحاب العمل والعمال، والمعايير والممارسات الحالية للعلاقات الصناعية كلها تتضافر بشكل كبير للتأثير على سوق العمل وتسهم في بناء معالم حوكمته.
إن تدخلات منظمات المجتمع المدني المعنية بسوق العمل والعمال من خلال تنظيم الفعاليات الطارئة والبرامج التنموية والمشاريع التوعوية، لتحسين أوضاع العمل والدفع نحو تطوير لوائح ناظمة، ما يحسن من شروطه وظروفه ويدفع نحو تقليص انتهاكات العمل، كل ذلك يعتبر من أشكال بناء حوكمة السوق، مع الإشارة إلى دور النقابات العمالية في هذا الصدد، ما يشكل حالة من التوازن والضبط تخدم جميع أطراف العمل وتفعل السوق وترفع من فعاليته وجاذبيته، وتقوم الحكومة بالرقابة عليه وضمان ديمومته من خلال إصدار وتحديث القوانين واللوائح والإجراءات التنفيذية، ويكفل استمرارية حوار بناء بين أطراف العمل لتفعيل سياسات العمل وتحسين أحوال السوق وضمان حقوق جميع الأطراف.