تمثّل سياسات سوق العمل مجموعة البرامج والتدخلات التي تعتمدها الحكومات من أجل رفع كفاءة وتنافسية السوق، مع ضمان تحقيق عدالة اقتصادية واجتماعية متوازنة، وتوفير فرص عمل لائقة ما يسهم إيجابًا في التنمية الشاملة.
كما أنها أحد الأفرع السياسية الحكومية التي تتجه بصورة كلية ومباشرة باتجاه التعامل مع أمور التشغيل من جميع النواحي، ويحكمها في ذلك أنظمة سوق العمل المتطورة التي أصبحت جزءًا لا غنى عنه في السياسة الاقتصادية وقضايا الرفاه الاجتماعي، ما يعني تأثير سياسة سوق العمل في أوضاع السوق تأثيرًا مباشرًا.
وفي معظم الدول الصناعية تستخدم هذه الأنظمة كأداة للوصول إلى النظام الاقتصادي الناجح بالتوازي مع الأهداف الاجتماعية المرصودة، وضمان عدالة سوق العمل وتعزيز تنافسيتِه وجاذبيته، بالاعتماد على الإحصاءات والمنهجيات الحديثة في صنع السياسات وإجراء التقييم المستمر لهذه السياسات ومدى فاعليتها.
ولقد تطورت سياسات العمل من الفكر الاقتصادي الكلاسيكي التي ركزت على أجر الكفاف واعتماد التوظيف الكامل، مع تركيزها على النفعية من العامل واستغلال جهده، في حين شهدت تحولات في الفكر الاقتصادي الماركسي التي كرّست فكرة العدالة الاجتماعية وصلتها الوثيقة بسياسات سوق العمل، إلى أن شهدت سياسات العمل تطورات في النظريات الاقتصادية الحديثة تمثلت في التركيز على التدريب والتأهيل للعمالة والعلاقة بين التعليم ومستوى الأجر مع ربط سياسات سوق العمل بالتنمية الشاملة.
اقرأ أيضًا: مؤشرات سوق العمل
اقرأ أيضًا: العرض والطلب في سوق العمل
إن أهم أهداف سياسات سوق العمل وضع الروابط بين العوامل المختلفة، وتنسيق جهودها من أجل حماية العمال وإيجاد توازن بين العرض والطلب، وإزالة العوائق الحاضرة والمستقبلية أمام متغيرات ومركبات السوق مع الإعداد الجيد لاحتياجات سوق العمل، ما يمنع إعاقة الإنتاج، ويوفر فرص العمل ويقلّص من البطالة، ويُسهم في اندماج قوة العمل المتاحة في السوق.
وتنقسم هذه السياسات إلى سياسات سوق العمل النشطة (ALMPs) وغير النشطة، وتشمل سياسات سوق العمل النشطة-وهي ما تهمنا- تقديم دعم الأجور، والتوظيف، والتدريب، وإعادة تأهيل العاملين، واستحداث المشاريع مع تقديم خدمات البحث عن الوظائف وفرص العمل، وتعزيز مهارات الباحثين عن العمل والتوفيق بين العمالة المعروضة والوظائف المتاحة، مع التشجيع على توسيع وإثراء سوق العمل، وفي المقابل تتضمن سياسات سوق العمل غير النشطة الإنفاق على إعانات البطالة والتقاعد المبكر.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى الحاجة المُلحة في قطاع غزة لسياسات سوق عمل نشطة، كما يجب أن تتوافر لصنّاع السياسات البيانات والأدوات المطلوبة لمتابعة برامجهم وتقييمها وتحسينها، مع تحديد معايير للتدخل الحكومي في عمليات سوق العمل وسياساته التي قد تأخذ عددًا من الأنماط ومنها التشريعات الناظمة لسوق العمل كأحد أوجه السياسات الفاعلة التي تتطرق للحقوق والواجبات للعامل والمشغل، وتنظم المنافسة وتضمن الحماية لأصحاب الأعمال وتحدد الأدوار للشركاء الاجتماعيين وجميع السلطات في إطار سوق العمل، كما أن التدخل الحكومي في تخطيط وتنفيذ برامج التدريب والتأهيل وتقديم المعونات والحوافز لتشغيل قوة العمل-كبرامج التشغيل المؤقت- بما يسهم في دمج الباحثين عن العمل، ويدعم الأجور، ويخفف عن كاهل أصحاب العمل ويدعمهم، مع عدم إغفال أهمية الدور الحكومي في إدارة خطة التشغيل الوطنية ومتابعة سياسة عمل الشركات الخاصة وحالة التشغيل بها ومؤسسات الإرشاد والتوجيه على سبيل المثال لا الحصر، وهذا ما يقودنا إلى التركيز على كفايات ومهارات قوة العمل، وضرورة تطوير المنظومة التعليمية والتدريبية لكي تتلاءم مع متطلبات السوق وهي إحدى السياسات النشطة، وكذلك ضرورة التركيز والرقابة على الهجرة لما لها من تأثير كبير في توازن سوق العمل.
إن أقصى طموح هو أن نستطيع تخطيط سياسة فاعلة لسوق العمل تغطي جميع المجالات وتصل إلى درجة عالية من التوازن بين مكونات سوق العمل مع مراعاة الاحتياجات المستقبلية للوظائف والمهارات وحماية أطراف الإنتاج، ما يسهم في تقليص البطالة المتزايدة لدينا ويضع حدودًا أمام شبح الفقر المتزايد، ويعمل كصمام أمان لحماية الشباب وقوة العمل.