قبل مئة يوم من اليوم، تم تنصيب بنيامين نتنياهو رئيسا لحكومة الاحتلال للمرة السادسة، وقد حدد جملة من المهام السياسية، لكنه لم ينفّذ أيًا منها، وبدلاً من ذلك، فقد ساهم وشركاؤه المتطرفون بتأجيج الاحتجاجات ضد الانقلاب القانوني، وبدأت القناعات الاسرائيلية تتحدث بتزايد أنه لم يعد يتحكم في عجلة القيادة، وبالتالي لن يكون قادرًا على تحقيق وعوده الانتخابية التي تبدو اليوم كأنها نكتة حزينة ساخرة.
اليوم تزداد أوضاع دولة الاحتلال نحو الأسوأ في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاجتماعية التي لم تعرفها منذ سنوات طويلة، لأنها أضعف من أي وقت مضى، وتراكمت عليها التهديدات الداخلية والخارجية بما يهدد أسس وجودها، على الأقل وفق التوصيف الاسرائيلي.
كل هذا حصل في غضون مئة يوم فقط، بدليل أن نتنياهو حدد في خطاب تنصيب حكومته أربع مهام مركزية: إفشال النووي الإيراني، وتطوير البنى التحتية للدولة، وتوسيع التطبيع مع العرب، وتعزيز الأمن الشخصي للإسرائيليين، لكن النتيجة أنه بعد مئة يوم تراجعت الدولة في جميع المهام.
إيران ابتداءً تواصل السباق على القنبلة، وعززت موقعها الجغرافي الإستراتيجي، وتقرب منها الدول العربية في المنطقة، فيما لا تتم دعوة نتنياهو للبيت الأبيض، والتطبيع مع السعودية دخل في مأزق عميق، وفشل الاحتلال في وعدها بتحقيق الأمن في مواجهة المقاومة التي استؤنفت بكامل قوتها، وقتلت 14 جنديًّا ومستوطنًا في غضون مئة يوم.
على صعيد الاقتصاد، فإن مئة يوم كانت كفيلة بتقديم توقعات قاتمة، في ضوء التحذيرات من تباطؤ النمو، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، ونوعية الحياة تلقي بظلال من الشك على غلاء تكلفة المعيشة، وبدل أن تكون الأيام المئة الأولى من الازدهار والانتعاش الاقتصادي، لكن حكومة نتنياهو السادسة سيتم تسجيلها على أنها مائة يوم من البؤس والإحباط.
صحيح أن الحكومة تراجعت في كل الأهداف التي قدمها رئيسها أمام الكنيست، باستثناء مهمة واحدة لم يذكرها على الإطلاق في خطاب تنصيبه، ولم يتم إبرازها في حملة الليكود الانتخابية التي أدت لفوزه، وهي الانقلاب القضائي، التي حولت كل طاقات الحكومة الجديدة باتجاه واحد وهو الاندفاع نحو أزمة سياسية بعيدة المدى، تسعى لإحداث تغيير جذري في العلاقات بين السلطات الثلاث في الدولة.
لم يتردد نتنياهو بتحقيق رغبته باستغلال أغلبيته البرلمانية ذات الـ64 مقعدًا، للإثبات أنه يترأس الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ الاحتلال، لكنه لم يتوقع المعارضة الهائلة، وبسبب هذه الرغبة فقد دخل الاحتلال في أزمة اجتماعية واقتصادية وأمنية وسياسية عميقة، من خلال إمعانه في تنفيذ انقلابه هذا بمنتهى الغطرسة، حتى ألقى خطابه الأخير الذي تراجع عن مخططه في خطوة وصفت بـ"المناورة"، تحضيرا للمائة يوم التالية.