أدرج مراقبون اقتصاديون قرار إقراض الاحتلال السلطة الفلسطينية (800) مليون دولار في إطار لعبة سياسية لخروج كليهما بماء الوجه وتقاسم الغنائم، وأن قلقًا إسرائيليًّا من أن يؤجج عدم وفاء السلطة بالتزامها المالي تجاه الشارع الفلسطيني أي محاولات للانقلاب عليها، محذرين في الوقت ذاته من تبعات عملية الإقراض على زيادة الدين العام الذي يتخطى حاجز 3.4 مليارات دولار دون احتساب القرض الجديد.
وكانت وسائل إعلام عبرية صرحت أن حكومة الاحتلال قررت تقديم قرض مالي للسلطة الفلسطينية تبلغ قيمته (800) مليون دولار، وسيكون موزعًا على أقساط شهرية حتى نهاية العام الجاري.
وعقب الاختصاصي الاقتصادي د. وليد الجدي على قرار الإقراض بأنه يدرج في إطار لعبة سياسية بين السلطة والاحتلال، وقال الجدي لصحيفة "فلسطين": إن هذه لعبة سياسية للخروج من الإحراج الواقع على الحكومة الإسرائيلية والسلطة والخروج كليهما بماء الوجه وتقاسم الغنائم، مبينًا أن عائدات ضريبة المقاصة التي تجبيها تل أبيب لصالح السلطة تصل إلى 300 مليون دولار سنويًّا، وتل أبيب تجمد هذا المبلغ شهريًّا بحجج واهية، وعليه فعندما تقرض حكومة الاحتلال السلطة فهي تقرضها من أموال السلطة وليس منة منها.
وأضاف الجدي: "هذه الأموال مجمدة في البنوك الإسرائيلية لحساب السلطة، ومن ثم نسبة الأرباح التي تديرها البنوك الإسرائيلية على هذه الأموال تكون لصالح الاحتلال، ومن ثم اقتسمت تل أبيب الكعكعة مع السلطة وعندما نسمع أن تل أبيب ستقرض السلطة يعنى أن السلطة ستدفع من أموالها المستحقة نسبة للاحتلال أيضًا غير نسبة البنوك".
وأشار الجدي إلى أن قرار الإقراض ما هو إلى اتفاق جرى بين الطرفين للخروج من المأزق بأن (إسرائيل) متعنتة منذ عامين بدفع تلك الأموال للسلطة ولا تريد حكومة نفتالي بينيت أن تظهر أمام الناخب الإسرائيلي بأنها غيرت معادلة نتنياهو بالحجز على الأموال، لافتًا إلى أن بعض المتنفذين في السلطة سيكون لهم نصيب في الكعكة خارج إطار الموازنة بحيث يكون ما اقتطعته تل أبيب من فوائد على القرض المزعوم ستذهب إلى من صاغوا هذا الاتفاق.
ونبه الجدي إلى أن باقي قيمة المبلغ المقترض هي قيمة الدعم السنوي الأمريكي الذي أوقف بعهد بايدن والذي قيمته (400) مليون دولار.
وتعيش السلطة الوطنية الفلسطينية أزمة مالية خانقة، بعد اقتطاع أموال المقاصة من خزينتها، لصالح الاحتلال، وتراجع الدعم المالي لها من قبل المانحين الدوليين والأوروبيين.
وكان مستشار رئيس وزراء حكومة رام الله، عبد الإله الأتيرة، أكد في تصريحات صحفية سابقة، أن حكومته تعيش في حالة حصار مالي، وأن الأزمة المالية مستمرة منذ ثلاث سنوات، حين أحجمت أطراف مختلفة عن تقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية.
وتوقعت السلطة في وقت سابق أن يبلغ العجز المالي لديها مليار دولار في نهاية العام الجاري، حيث قدرت إجمالي نفقاتها لعام 2021 بنحو (5.6) مليارات دولار، مقابل إيرادات بنحو (4.6) مليارات دولار، كما تسلمت السلطة الفلسطينية حوالي 30 مليون دولار فقط مساعدات خارجية.
من جانبه، قال الاختصاصي الاقتصادي خالد أبو عامر: "من الناحية الاقتصادية، فمن الواضح أن الاحتلال ينظر بقلق إلى عمق الأزمة المالية التي تعانيها السلطة، فواقع الإيرادات من المساعدات الخارجية يقترب من الصفر لهذا العام، وهي في مستوى متراجع منذ أكثر من 4 سنوات".
وأضاف أبو عامر لصحيفة "فلسطين": كما أن القلق لدى الاحتلال من أن السلطة لن تكون قادرة على القيام بمهامها أو الوفاء بالتزاماتها تجاه الشارع والمواطنين وهذا ما قد ينعكس على وضعها وقد يؤجج أي محاولات للانقلاب عليها تمامًا كما شهدناه في الأشهر الأخيرة، لذلك هي تحاول استدراك هذا الأمر تحسبًا منها لأي مفاجآت غير محسوبة".
وتابع أبو عامر بالقول: "أما سياسيًّا فتوقيت الكشف عن هذا القرض في وقت زيارة بينيت لواشنطن، له دلالة سياسية مرتبطة بإرسال تل أبيب رسائل لواشنطن أنها غير مسؤولة عن الأزمة التي تعانيها السلطة ماليًّا، ولكن حقيقة الأمر أن جزءًا لا يستهان به من الأزمة مرتبط بتجميد الاحتلال للعام الثالث على التوالي ما قيمته (600) مليون شيقل سنويًّا من إيرادات المقاصة بحجة رواتب الشهداء والأسرى".
وأكد الاختصاصي أن القرض لا شك أنه سيساهم في تخفيف حدة الأزمة المالية التي تعانيها السلطة ولكن لن ينهيها جذريًّا، كما أنه سيزيد من عبء الدين العام على السلطة الذي وصل لمستويات خطرة بتخطيه حاجز الـ(3.4) مليارات دولار دون احتساب هذا القرض الجديد.
وكان تقرير أعده معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، نشر مؤخرًا حذر من إمكانية انهيار السلطة الفلسطينية.
وأكد التقرير أن "(إسرائيل) مطالبة بالاستعداد لسقوط الرئيس محمود عباس، والعمل على إنشاء ظروف تمنع حدوث ذلك".
وأشار التقرير إلى أن "شعبية عباس، انخفضت بشكل ملحوظ بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة".
ونبه إلى الغضب الشعبي المتزايد ضد السلطة، والتعبير عن استمرار انعدام الثقة بعباس وبأجهزة السلطة الأمنية، إضافة إلى اتهام السلطة بالفساد المالي والإداري.
وقال تقرير المعهد: إن "قرار إلغاء الانتخابات التشريعية، في نيسان/ إبريل الماضي، كشف أمام أنظار الجمهور الفلسطيني عدم فائدة السياسة التي يقودها الرئيس عباس، منذ انتخابه للرئاسة، في عام 2005".