يشهد القطاع المالي الفلسطيني تحديات غير مسبوقة نتيجة لتجاوز سقف الإقراض الذي حددته سلطة النقد الفلسطينية للقطاع العام، حيث ارتفع إلى 2.8 مليار دولار حتى أكتوبر 2024، متجاوزًا الحد المسموح به البالغ 2.5 مليار دولار.
ذلك التجاوز ينظر له مراقبون اقتصاديون أنه يضع النظام المالي الفلسطيني في مواجهة مخاطر متزايدة، لا سيما مع التحديات الاقتصادية العامة وضعف قدرة السلطة الفلسطينية على الوفاء بالتزاماتها المالية.
وأكد الاقتصاديون أن الوضع المالي الفلسطيني يتطلب إصلاحات هيكلية عاجلة وشاملة وشددوا على أهمية تقليل الاعتماد على الاقتراض المصرفي الحكومي، مع التركيز على تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني كما أوصوا بتطبيق سياسات احترازية صارمة لتعزيز استقرار النظام المصرفي وضمان استدامته على المدى الطويل.
وأوضح الباحث الاقتصادي د. هيثم دراغمة، أن تجاوز سقف الإقراض يعكس اعتماد الحكومة بالضفة المحتلة المفرط على التمويل المصرفي لتغطية العجز المالي مما يُشكّل تهديدًا لاستقرار القطاع المصرفي، مشيرًا الى أنه أصبحت البنوك الفلسطينية أكثر تعرضًا لمخاطر تعثر السداد، سواء من قبل الحكومة أو الموظفين العموميين.
وأضاف دراغمة لصحيفة "فلسطين" أن حجم القروض الحكومية المباشرة وقروض الموظفين العموميين بلغ 4.6 مليار دولار، أي ما يعادل 37% من إجمالي الائتمان المصرفي.
وأشار إلى أن التركيز العالي في محفظة القروض يضع البنوك أمام خطر محتمل يتمثل في فقدان التنوع المالي، وهو ما يزيد من هشاشتها أمام أي أزمة اقتصادية أو سياسية مفاجئة.
ونبّه الباحث الاقتصادي إلى أن الاعتماد المفرط على القروض المصرفية من قبل الحكومة يضعف قدرة القطاع المصرفي على دعم القطاعات الإنتاجية والاقتصادية الأخرى، مما يُعيق النمو الاقتصادي.
وأضاف أن التحديات الاقتصادية الحالية، مثل ارتفاع معدلات البطالة، تباطؤ النمو الاقتصادي، والقيود الإسرائيلية على الحركة والتجارة، تُضاعف من تعقيد الوضع المالي وتقلل من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها.
من جهته أكد الباحث الاقتصادي د. نور أبو الرب أن المخاطر المالية الحالية تتطلب خطوات جذرية وسريعة لضمان استقرار النظام المالي الفلسطيني.
وقال أبو الرب لـ"فلسطين": إن تجاوز سقف الإقراض المسموح به يهدد استقلالية البنوك وقدرتها على توفير التمويل اللازم للقطاع الخاص، الذي يُعدّ ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي.
وأضاف أن الحلول تكمن في تنويع مصادر التمويل الحكومي، من خلال تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص وتحسين إدارة الموارد العامة. كما شدد على ضرورة تعزيز كفاءة النظام الضريبي لزيادة الإيرادات المحلية وتقليل الاعتماد على التمويل المصرفي.
واتفق الاقتصاديون على أن سلطة النقد الفلسطينية تلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على استقرار النظام المالي.
وأكدوا أهمية ضمان استقلاليتها لتعزيز الإشراف والرقابة على القطاع المصرفي ونوهوا إلى أن ضعف استقلالية سلطة النقد قد يؤدي إلى تدخلات سياسية تُعقد المشهد المالي وتُضعف قدرة النظام المصرفي على التعامل مع الأزمات.