تشهد الضفة الغربية تصعيدًا غير مسبوق في وتيرة اعتداءات المستوطنين، في ظل واقع سياسي وأمني يتجه نحو مزيد من العنف الاستيطاني المنظم، وسط حماية مباشرة من جيش الاحتلال ودعم علني من حكومة اليمين المتطرف.
هذا التصاعد لا يُقرأ كحوادث فردية، بل كجزء من مشروع استيطاني متكامل يهدف إلى فرض واقع جديد قائم على مصادرة الأراضي، تهجير الفلسطينيين، وتغيير المعالم الجغرافية والديمغرافية للضفة الغربية، في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.
وخلال اليومين الماضيين، أُصيب عدد من المواطنين، جراء سلسلة هجمات واعتداءات نفذتها عصابات المستوطنين في مناطق متفرقة من الضفة الغربية والقدس المحتلة، تخللتها عمليات إطلاق نار.
يؤكد سهيل السلمان، منسق اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في شمال الضفة الغربية، أن ما يجري على الأرض هو تنفيذ يومي لمشروع احتلالي واضح المعالم، قائلاً إن دولة الاحتلال "تمضي في مخططها لضم الضفة الغربية وتهجير الشعب الفلسطيني، لكن بأسلوب أكثر نعومة مما يحدث في غزة، التي تتعرض لحرب إبادة مفتوحة".
ويشير السلمان في حديث خاص لصحيفة "فلسطين"، إلى تصاعد خطير في أعداد اعتداءات المستوطنين خلال السنوات الأخيرة، موضحًا أن عام 2023 شهد بمعدل أربع اعتداءات، فيما ارتفع المعدل في عام 2024 إلى ثماني اعتداءات، بينما سجلت الأشهر الستة الأولى من العام الحالي وحدها 12 اعتداءً، في مؤشر واضح على التسارع الممنهج للعنف الاستيطاني.
ويذكر أن عدد الاعتداءات الإجمالي بلغ 2153 اعتداءً، فيما شهد الشهر الماضي وحده معدلًا خطيرًا وصل إلى 20 اعتداءً يوميًا، وهو ما يعكس انتقال المستوطنين من سياسة الترهيب المحدود إلى الإرهاب اليومي المنظم.
الاستيطان الرعوي
يربط السلمان هذا التصاعد بتوسع ما يُعرف بـ"الاستيطان الرعوي"، الذي تضاعف بعد السابع من أكتوبر بنسبة تقارب 100%، موضحًا أن هذا النمط من الاستيطان بات أداة فعالة للسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، خاصة في المناطق المصنفة (ج)، تحت غطاء الرعي الزراعي.
ويؤكد أن جيش الاحتلال لا يكتفي بحماية المستوطنين، بل يشارك عمليًا في الاعتداءات، ما يجعل هذه الجرائم جزءًا من سياسة رسمية موضوعة مسبقًا، وليست سلوكيات فردية خارجة عن القانون. ويضيف: "بن غفير قام بتوزيع السلاح على المستوطنين عدة مرات، ما منحهم شعورًا بالحصانة وشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين".
وفي قراءة سياسية أوسع، يرى السلمان أن ما يسمى بـ"معسكر السلام" داخل دولة الاحتلال قد انتهى فعليًا، مؤكدًا أن جميع قيادات الاحتلال، سواء في الحكومة أو المعارضة، متفقة على استمرار الاحتلال في الضفة الغربية، والإبادة في غزة، مع اختلاف وحيد يتمثل في كيفية تسويق صورة الاحتلال أمام العالم.
ويضيف أن ما جرى بعد السابع من أكتوبر، خاصة قيام حكومة نتنياهو بسحب ملف القضية الفلسطينية من الطاولة الدولية، سمح للعالم الغربي بالاصطفاف إلى جانب دولة الاحتلال، في سياق ما وصفه بـ"الدعم الإمبريالي المطلق للدولة المارقة".
استهداف الارياف
من جانبه، يؤكد رائد موقدي، الباحث في قضايا البيئة والاستيطان بالضفة الغربية، أن الاعتداءات الاستيطانية تتركز بشكل متزايد في المناطق الريفية، حيث تترافق مع عمليات مصادرة واسعة للأراضي، خاصة في محيط التجمعات السكنية الفلسطينية.
ويشير موقدي خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، إلى أن هذه الاعتداءات أثّرت بشكل مباشر على وتيرة البناء الفلسطيني، وأسهمت في تصاعد عمليات الهدم اليومية، في ظل نشاط مكثف لجيش الاحتلال في مصادرة الأراضي وتهيئة الأرضية لتغيير ديمغرافي واسع النطاق.
كما لفت إلى أن الدعم الحكومي الإسرائيلي المطلق، إلى جانب التمويل الأجنبي والأمريكي السخي، أسهم بشكل كبير في تسريع وتيرة الاستيطان وتعميق السيطرة على الأرض.
ويؤكد موقدي في ختام حديثه أن ما يجري هو عملية تغيير ممنهجة للطابع الجغرافي والديمغرافي للضفة الغربية، مشددًا على أن الرد الفلسطيني يجب أن يتمثل في الثبات على الأرض، وتعزيز المتابعة القانونية لملاحقة جرائم الاحتلال والمستوطنين على المستويين المحلي والدولي.
في ظل هذا الواقع، تبدو الضفة الغربية أمام مرحلة خطيرة، تتداخل فيها سياسات دولة الاحتلال مع إرهاب المستوطنين، في محاولة لفرض أمر واقع بالقوة، وسط صمت دولي متزايد، ومعركة مفتوحة على الأرض عنوانها: الأرض، والوجود، والبقاء.

