فلسطين أون لاين

مخيم جباليا.. أيقونةٌ للنِّضال الفلسطيني ونموذجٌ مُلهم

...
مخيم جباليا.. أيقونةُ للنِّضال الفلسطيني ونموذجٌ مُلهم
غزة / علي البطة

مثّل مخيم جباليا منذ نشأته معقلًا للثَّورة الفلسطينية وقلعة صلبة للمقاومة، ومنه انطلقت شرارة انتفاضة الحجارة في عام 1987، ومن قبله شهد أحداثًا بارزة منذ العدوان الثلاثي عام 1956 وحتى مواجهة الاحتلال في عدوان 1967. أبناء المخيم كانوا دومًا في طليعة المقاومين، مما جعله هدفًا دائمًا لسياسات القمع "الإسرائيلية".

ومع ذلك، فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه، حيث أثبت سكان جباليا أنهم قادرون على الصمود والتحدي في أصعب الظروف."

وأكد محمد المصري الباحث في مركز التاريخ الشفوي بالجامعة الإسلامية في غزة، لصحيفة "فلسطين" أن مخيم جباليا ليس مجرد مكان، بل هو أيقونة للنضال الفلسطيني.

ولفت إلى أن المقاومة فيه تتجدد طالما استمر الاحتلال، وتجربة أبنائه مصدر إلهام للأجيال المقبلة، مشددًا على أن الاحتلال فشل في كسر إرادة سكان المخيم، كما فشل في محو وجوده من الذاكرة الفلسطينية، بل أصبح رمزًا عالميًا للصمود والمقاومة.

ووفق المصري؛ خلال العقود الماضية، حاول الاحتلال تدمير المخيم ومحوه من الذاكرة الفلسطينية عبر تدمير آلاف المنازل وتهجير السكان.. ففي سبعينيات القرن الماضي، هدم الاحتلال أكثر من 3500 غرفة وأجبر نحو 1200 عائلة على مغادرة منازلها، لكن المخيم بقي صامدًا، بل أصبح أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم وخزانًا للثورة الفلسطينية.

انتفاضة الحجارة: نقطة التحول

في ديسمبر 1987، انطلقت انتفاضة الحجارة من شوارع المخيم عقب دهس سائق شاحنة إسرائيلي لعدد من العمال الفلسطينيين.

أصبحت جباليا -حسب الباحث المصري- رمزًا للثورة الشعبية التي امتدت إلى مختلف مناطق القطاع والضفة الغربية، وكانت البداية الفعلية لمرحلة جديدة من النضال الفلسطيني.

المقاومة المسلحة: استراتيجيات جديدة

"من مسافة صفر"، استراتيجية الشهيد القائد عماد عقل، أحد أبناء المخيم البارزين، التي تحوّلت إلى عقيدة قتالية امتدت لأجيال من المقاومين، وفق تأكيد المصري.

وأضاف: هذه الفكرة التي وُلدت في تسعينيات القرن الماضي نمت وتطورت لتصبح أساسًا للعمليات العسكرية التي نفذتها المقاومة، خاصة خلال معركة "طوفان الأقصى" الأخيرة.

وأشار إلى أنه في عام 2004، تصدى أبناء جباليا لهجوم إسرائيلي واسع النطاق، فيما عُرف بمعركة "أيام الغضب"، واستمرت المواجهة 17 يومًا، وهي الأطول في تاريخ تلك المرحلة، استخدمت فيها المقاومة أسلحة جديدة مثل قذائف "الياسين" و"البتار" وعبوات "شواظ".

 

صمود غير مسبوق

يؤكد الباحث في التاريخ أن المخيم يشهد اليوم صمودًا جماعيًا نادرًا أمام حرب الإبادة الإسرائيلية التي دمرت نحو 95% من مبانيه.

وقال: سكان جباليا يقدمون نموذجًا فريدًا في الثبات، نابعًا من وعيهم الجماعي بأهمية الأرض وحقهم في الدفاع عنها، مشددا على أن هذا الصمود يرسخ مكانة المخيم كرمز للمقاومة الفلسطينية ويؤكد فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه.

الإبادة: نهج استعماري إسرائيلي

ونبه إلى الاحتلال الإسرائيلي يمارس سياسة الإبادة الممنهجة ضد مخيم جباليا، من خلال ثلاث أدوات: تدمير البنية التحتية من خلال قصف المنازل والمرافق العامة بشكل شامل، وتجويع السكان عبر فرض حصار خانق يمنع دخول المواد الغذائية والطبية، وأخيرا استهداف الأماكن الآمنة من خلال قصف المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء.

وشدد على أن هذه الجرائم ترتكب بوحشية غير مسبوقة، حيث تعرضت منطقة صغيرة مثل مخيم جباليا لتدمير وقتل يفوق ما شهدته مناطق أخرى خلال الحربين العالميتين.

وقال: السلوك الإبادي الإسرائيلي ليس جديدًا؛ فهو جزء من عقيدة صهيونية تقوم على القتل والتهجير منذ النكبة عام 1948.

توثيق الجرائم ومواجهة التضليل

وأشار المصري إلى توثيق أكثر من 500 مجزرة ارتكبت خلال نكبة 1948، ورغم ذلك بقي كثير من الجرائم مجهولًا بسبب نقص التوثيق الفلسطيني والتضليل الإعلامي الدولي.

وقال: تلك المجازر مكثنا سنوات طويلة واستنزفنا جهودا كبيرة حتى نجمع تلك المجازر ونوثقها.

وأضاف: حاليا تُوثق آلاف المجازر التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي في غزة، لكن العالم يظل صامتًا أمام هذه الإبادة الجماعية.

المصدر / فلسطين أون لاين