انشغل الإسرائيليون في الأيام الأخيرة بما باتت تعرف بـ"وثيقة السلطة الفلسطينية المقدمة للإدارة الأمريكية"، وتتضمن مطالب تسبق انطلاق أي عملية سياسية مع الاحتلال، وقد تفاوتت المواقف الإسرائيلية منها، بين من اعتبرها عودة بالعجلة إلى الوراء، وإعلان عن عدم القدرة على قبولها، وتشبث بالحفاظ على المبادئ المعلنة منذ انطلاق مؤتمر مدريد، ما يعني أن الرأي العام الإسرائيلي سيرفض معظم هذه المطالب.
يتبنى قطاع عريض من الأوساط الإسرائيلية موقف الرفض لهذه "الوثيقة"، كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات، لأن إسرائيل لا تستطيع الاستجابة لها، لأن مجموعها يعبّر عن توجُّه يسعى لإعادة الوضع لما كان عليه قبل أيام من اندلاع الانتفاضة في أيلول 2000.
يرى المعارضون الإسرائيليون "للوثيقة" أنها نقطة انطلاق فلسطينية تفترض العودة للمكان الذي وقف عنده مسار رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، رغم مرور أكثر من عقد منذ ذلك الحين، وحدوث العديد من التغييرات طوال هذه السنوات في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
في ظل هذه الظروف المتطورة، فإن "الوثيقة" الفلسطينية تتعارض مع المبادئ الإسرائيلية الأربعة: نقل معظم رعاية الفلسطينيين إلى إدارة السلطة الفلسطينية، القدس المحتلة عاصمة للاحتلال، وتحت سيادته، غور الأردن بمعناه الأوسع تحت السيطرة الإسرائيلية، والسلطة الفلسطينية كيان وليست دولة.
يضاف لهذا الموقف الإسرائيلي أن مناطق (ج) تعتبر نقاطًا حرجة، وتعبّر عن المصالح الإسرائيلية، حيث تقع جميع المستوطنات فيها، وتخدم السيطرة عليها أمن إسرائيل، لكن الوثيقة الفلسطينية تتعارض معها، وبالتالي تتناقض مع موقف الإجماع الإسرائيلي، وعلى نفس المنوال، رُفضت المطالب بوجود فلسطيني رسمي في شرقي القدس من خلال نشاط بيت الشرق.
وفي ظل وجود الحكومة الإسرائيلية الحالية، ورغم الخليط الحزبي والأيديولوجي فيها، فلا يبدو أنها سوف تستجيب لطلب نقل مناطق إضافية من المنطقة ج إلى السلطة الفلسطينية، رغم أن ذلك أساس النزاع القائم ليس فقط بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولكن أيضًا بين إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء نفتالي بينيت والإدارة الأمريكية حول ما إذا كان لإسرائيل الحق في مطالبات إقليمية في الضفة الغربية وغور الأردن، رغم أنها احتياجات أساسية للبنية التحتية والإسكان وشرايين النقل.
لا يتأخر التحذير الإسرائيلي في القول إنه إذا استُجيب للمطالب الفلسطينية، فإن ذلك يعني الموافقة على التقسيم التخطيطي إلى دولتين على أساس خطوط 67، وسيجد الاحتلال صعوبة بالدفاع عن نفسه، لأنه بحلول عام 2050، يتوقع أن يعيش أكثر من 25 مليون إسرائيلي وفلسطيني في المنطقة الواقعة بين البحر والنهر، مما سيتطلب نظامًا مشتركًا للبنية التحتية، وهذا يجعل نموذج الدولتين فكرة غير قابلة للتحقيق.