أكدت (إسرائيل) في كل المناسبات التي تعتدي فيها على الداخل الفلسطيني أو الدول المجاورة أنها تمارس حق الدفاع الشرعي عن النفس. وقد تبنى الرئيس بايدن هذه النظرية وهذا هو السبب في أنه رفض التدخل سواء انفراديًّا أو من خلال مجلس الأمن لوقف الإجراءات الإسرائيلية التي يقول إنها مشروعة لأن حق الدفاع الشرعي حق مؤكد في القانون الدولي.
أما الاتحاد الأوروبي فقد أكد أنه يحترم حق (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها. وبالطبع فإن واشنطن والاتحاد الأوروبي يميلون إلى الانحياز لـ(إسرائيل) لعدة أسباب؛ الأول طبيعة العلاقة العضوية بينهم. السبب الثاني أن الغرب مقتنع بأن (إسرائيل) زرعت في وسط معادٍ بطبيعته ومعادٍ بسبب سلب (إسرائيل) أراضي الفلسطينيين. والسبب الثالث هو أن الطرف المقابل لـ(إسرائيل) هو المقاومة وهي في معظمها مقاومة إسلامية ويعدُّها الغرب منظمات إرهابية. السبب الرابع هو أن الغرب يعدُّ (إسرائيل) امتدادًا للغرب وممثله الحضاري وخليفته الاستعمارية.
هذا المقال يقدم شروط حق الدفاع الشرعي عن النفس ومدى انطباقها على (إسرائيل). فمن ناحية حرصت (إسرائيل) على اللواذ بهذا الحق بل حاولت تطويره وإطلاقه في القانون الدولي فابتدعت ما سمته حق الدفاع الشرعي الوقائي، أي إذا شعرت (إسرائيل) بأن خطرًا يتهددها فمن حقها إزالة هذا الخطر كفعل وليس كرد فعل. قدمت هذه النظرية عام 1967 عندما اعتدت على مصر.
(إسرائيل) في فلسطين لديها مخطط إبادة العرق الفلسطيني، كما لديها نظرية الاسترداد وارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين عقابًا لهم على استيلائهم على فلسطين أرض اليهود. وفي عام 1967 أكدت أنها هي التي شنت الهجوم بزعم أن مصر كانت تخطط لكي تنقض على (إسرائيل) فسارعت (إسرائيل) إلى الهجوم عليها والاستيلاء على الأرض التي تستخدمها مصر في العدوان على (إسرائيل). لحسن الحظ لم تصمد هذه النظرية في الفقه الدولي الذي أعاد (إسرائيل) إلى شروط حق الدفاع الشرعي في ميثاق الأمم المتحدة بنص المادة 51 من الميثاق على أن الدولة لها أن تمارس هذا الحق بشروط، الشرط الأول أن يقع عدوان من دولة على دولة أخرى. في حالة (إسرائيل) يعد الاحتلال الطويل الأجل وتخطيطها لطرد الفلسطينيين من أرضهم عدوانًا مستمرًّا خاصة أن (إسرائيل) لم يكن لديها قطعًا النية للانسحاب من فلسطين بل ضمها وإبادة العرق الفلسطيني.
والمقاومة لها وضع قانوني معتبر ولكنها ليست دولة، وكما أن المقاومة بطبيعتها هي تمارس حق الدفاع عن النفس ضد العدوان. ولو تبنى أبو مازن المقاومة لدولة فلسطين لتوفر هذا الشرط.
فالشرط الأول لا يتوفر في حالة (إسرائيل). الشرط الثانى هو أن تتأكد الدولة أن العدوان عليها ذو طابع مادي وليس معنويًّا وهذا الشرط ليس متوفرًا في حالة (إسرائيل). فقد أتت (إسرائيل) عددًا من الأفعال التي تشكل عدوانًا على الفلسطينيين يضاف إلى الاحتلال الطويل الأجل دون توفر نية الانسحاب، وهذا ما يناقض قواعد الاحتلال الحربي. فالأفعال الإسرائيلية هي منع المصلين في المسجد الأقصى وطرد السكان من بيوتهم في القدس، وكذلك تمكين المستوطنين من الاعتداء على المرابطين. ولكن إذا كانت المقاومة ليست دولة وعملها هو رد فعل للعدوان، فإنها ملتزمة قواعد القانون الدولي الإنساني.
والمقاومة تمارس حق الدفاع الشرعي ضد (إسرائيل) المحتلة، والمعتدية أيضًا. أما الشرط الثالث فهو أن ممارسة حق الدفاع الشرعي يجب أن يكون ضروريًّا لا بديلًا لاستخدام القوة، ثم أن يكون مناسبًا للعدوان، فإن أمكن دفع العدوان دون استخدام القوة يكون ذلك أفضل، كما أن شرط الضرورة والتناسب لا يتوفر في حالة (إسرائيل).
(إسرائيل) هي التي بدأت بأفعالها السابقة في القدس والمقاومة كان لها طابع معنوي، فالمقاومة أصلا ليست قوة مقاتلة ولكنها ممارسة لحق الدفاع الشرعي بصرف النظر عن فاعليته. وقد عول الغرب على مئات الصواريخ التي أطلقتها المقاومة على (إسرائيل). فالإصابات التي ردت بها المقاومة لا علاقة لها. بخطة إسرائيلية معدة سلفًا لإبادة سكان غزة حتى يثوروا على المقاومة ولا يكونوا حاضنة شعبية لها، ولذلك نفذت (إسرائيل) أعمال إبادة ضد الحجر والبشر، كما أن الشرطة في كل فلسطين استهدفت الشباب لقتلهم ولم تشأ مجرد تفريقهم، بل واشتبكوا مع الشرطة في هبة عامة حتى بين العرب داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ما أزعج يهود (إسرائيل).
فليس صحيحًا ما رددته حكومات غربية والرئيس الأمريكي بأن (إسرائيل) تمارس حق الدفاع الشرعي عن نفسها، بل إن سلوك جيش الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب المجازر والدماء هو انتهاك صريح لقواعد القانون الدولي الإنساني وهي جرائم دولية توفر لها كل أركان الجريمة الدولية.
ولو عرض الموقف على محكمة العدل الدولية لقررت أن (إسرائيل) لا علاقة لها بحق الدفاع عن النفس وإنما ارتكبت مجازر إبادة جماعية للفلسطينيين مما يتطلب تدخل المحكمة الجنائية الدولية لولا أن واشنطن جعلت (إسرائيل) فوق القانون الدولي.
فالمقاومة هي التي تمارس حق الدفاع الشرعي، أما (إسرائيل) فهي تمارس الإبادة الجماعية ويتعين محاكمة قادتها على كل المستويات أمام المحكمة الجنائية الدولية وأمام القضاء الأوروبي.
ولو كان مسعى جولدستون وتحقيقاته في عدوان 2008-2009 قد سار في طريقه الطبيعي لكان رادعًا للعدوان الإسرائيلي والاستخفاف بأحكام القانون الدولي.
وما دامت (إسرائيل) تمارس أعمال الإبادة فإن زعم الغرب أنها تمارس حقًّا مشروعًا هو حق إبادة الشعب الفلسطيني يشجعها على ارتكاب المزيد.
لذلك يترتب على نسبة أعمال الإبادة لـ(إسرائيل) تحملها بجميع النتائج المترتبة على ذلك بما فيها تقدير التعويضات التي يجب أن تدفعها (إسرائيل) نتيجة الأضرار التي لحقت بفلسطين.