فلسطين أون لاين

​الصلاة في رمضان.. في المسجد دومًا أم حيث الخشوع ؟

...
سوريون يؤدون صلاة التراويح (الأناضول)
غزة - فاطمة أبو حية

من أجل خشوع أكثر، ولتوفير أجواء أكثر هدوءًا وراحة تسهّل استحضاره، يفضّل البعض أداء الصلوات خلال شهر رمضان في البيت لا في المسجد، حيث لا ازدحام، ولا أجواء حارة، ولا إزعاج الأطفال، فيما يفضّل آخرون الجماعة في المسجد على أي حال، فهل الأصل أن يبحث المسلم عن أجواء تساعده على الخشوع؟ أم تبقى للمسجد أفضلية دوما؟... الأمر يختلف حسب نوع الصلاة، إن كانت فرضا أو نافلة أو تراويح..

لتكون المعايشة

يقول الداعية مصطفى أبو توهة: "من المقاصد والغايات التي قصدها الشارع الحكيم من صلاة الجماعات والجُمعات، والعيدين، وغيرها من صلوات الجماعة، أن يجتمع المسلمون وأن يتراصّوا لتكون المعايشة بعد المشاهدة، الأمر الذي يجعل المسلم المُصلي جماعة في بؤرة الاهتمام والحضور، إذا تغيّب عن هذه الصلاة أو تلك فإن أمرًا ما قد طرأ عليه، فيُوجب استحقاقات أدبية واجتماعية، ويقول عمر رضي الله عنه: (تفقّدوا الرجال في الصلاة، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا غير ذلك فعاتبوهم)".

ويضيف لـ"فلسطين": "والملاحظ في صلاة الجماعة أنها لا تزيد لا ركعة ولا تسبيحة عن صلاة المسلم في بيته أو سوقه، فإن الشارع الحكيم جعل لها الأفضلية، وقد قال صلّى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته أو سوقه بسبع وعشرين درجة)، ومن هنا نفهم أن المقصد الأول، والمطلوب لذاته هو الاجتماع والاحتشاد".

ويتابع في حديثه عن صلاة الجامعة في الفروض: "أما فيما يتعلّق بالخشوع، والذي هو شرط القبول للصلاة واحتسابها في موازين العبد، فإنه لا ينقص في المسجد سواء كان على مستوى الفرد أو الجماعة، ذلك لأن عوامل وأسباب استحضار القلب والعقل في صلاة الجماعة موفورة، ومن عدّة جهات، أولها قداسة المكان، فالمسجد هو بيت الله تعالى، ثم كرم الضيافة، فكلّ من في المسجد هم ضيوف الرحمن، وكذلك الحشد المبارك، والله مع الجماعة، يُضاف إلى ذلك دعاء الملائكة في هذا المكان بالذات، وأيضا فضيلة الاستماع إلى آيات الوحي الكريم من إمام سخّر نفسه ليوظّف كل طاقات الجمال في الصوت والتمام في الأحكام، وقبل كل هذا النية الطيبة، والأمل المعقود لمن خرج من بيته قاصدا بيت الله تعالى وشعاره (وعجلت إليك ربي لترضى)".

ويبين أبو توهة: "من هنا نقول، ليس بالضرورة أن تتباصر أسباب الخشوع إن كانت خارجية أو داخلية كما فصّلها أبو حامد الغزالي في كتابه (الإحياء)، فقد ينشغل المصلي المنفرد في بيته بالصغار وأثاث البيت وجلبة من في الخارج والأصوات المزعجة والروائح المثيرة، الأمر الذي يجعله يخرج من صلاته الفردية كما دخل أول مرة، وبالتالي، فمن الظلم والإجحاف بنقصان الخشوع بين يدي الله تعالى في الجماعة، وأن نحابي صلاة الفرد في بيته بضمان كل شروط صحة الصلاة من خشوع وإنابة".

تربية عملية

ويوضح: "وحكم صلاة الجماعة، على الرأي الأرجح، أنها سنة مؤكدة، وليست سنة عادية، ولا واجبا ملزما، وقد اختلف الفقهاء بين موجب، ومن جعلها فرض كفاية، أما صلاة الإنسان في بيته من غير جماعة فهي أفضل وأرجى ثوابا من صلاته في المسجد وهذا ما سنّه له نبينا صلى الله عليه وسلم لتكون الصلاة في البيت تربية عملية، مشاهدة ومعاينة للأهل إن كان النساء أو الصغار وليس بعد العيان بيان، وهذا للنوافل وليس الفروض".

ويقول أبو توهة: "أما ما يتعلق بصلاة التراويح، فهو أمر أشار إليه النبي في قوله: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه)، وبداية الأمر أن الصحابة بعد النبي كانوا يصلون التراويح، والتي هي مشتقة من الراحة بين كل ركعتي، كلٌّ على حدة، منعزلا في زاوية، فلمّا كانت خلافة عمر رضي الله عنه لم يرُق له أن يرى الناس أشتاتا، مع أن الصلاة واحدة، والدافع واحد، فرأى أن يجمع الشتات من المصلين على أُبي بن كعب رضي الله عنه، فوافق الناس على ذلك، وذلك هذه السنة العمرية قائمة إلى يومنا هذا".