لم تمنع ظروف انتشار وباء كورونا، وتعليمات البرتوكول الصحي التي تحد النشاطات الجماهيرية من عرض مسرحية "إلا أنت-القدس"، التي قدمتها المخرجة مجد القصص في المركز الثقافي الملكي بعمان أمام جمهور لا يتجاوز 20 شخصًا.
العرض المسرحي الذي كتبت نصه الروائية سميحة خريس، طعمته المخرجة بعدد من الفنون مستفيدة من قصيدة الشاعر تميم البرغوثي التي حملت عنوان: "في القدس"، ومعتمدة لغة الجسد في المقام الأول، صممت مشاهده آني قرليان لتقدم مرافعة عن الإنسان المرابط/المرتبط بأرضه.
تلخص المسرحية في 7 لوحات استعراضية صور القهر والمقاومة، واستمرار الحياة، وإعادة كتابة تاريخ الحرية والحياة باختراق الجدران، حيث الضحية يعلم الجلاد سيرورة الحياة.
تتناول المسرحية التي وضع موسيقاها وليد الهشيم قصة فتاة وشاب مقدسيين لم يتسنَّ لهما إتمام فرحهما بالزواج نتيجة اعتقال الشاب والحكم عليه بالسجن مدة طويلة، ويهرب نطفة ليتحقق لزوجته أن تكون أمًّا، ولم تشأ المخرجة أن تعرف الممثلين بالأسماء، وإنما تركت الأمر غائبا ليكونا رمزًا لكل المقدسيين الذين يعيشون بين فضاء الحلم وقهر واقع الاحتلال.
ولحرص مجد القصص على الربط بين الشكل والمحتوى في المعالجة المسرحية التي وصفتها بأنها تنتمي للمسرح "التجريبي" لم تسند البطولة لأحد الممثلين، بل ذهبت في الحوارات إلى الصوت الجماعي/ الكورالي/ لبطولة يصنعها الجميع.
وفي الوقت نفسه تبرز الملمح الملحمي للعمل بوصفه سردية تقوم على تراث الأمة الحضاري لمواجهة رواية المحتل، تقول المخرجة: "وزعت الحوارات على جميع الممثلين (عددهم 9)، وقدمت العمل مقترحًا إنسانيًّا باللغة العربية الفصيحة، مع بعض الكلمات العامية الفلسطينية، والختام بالدبكة (للخصوصية)، لأن قضية القدس هي قضية العرب".
ولا تخلو الحوارات، وكذلك النصوص الشعرية من إضاءات على تاريخ القدس منذ الكنعانيين مرورًا بالرومان والصليبيين حتى الاحتلال الصهيوني، ما يؤكد طبيعتها الغنية برائحة التاريخ والتسامح، ولكنها لفظت كل الغزاة.
وتحكي المسرحية قصة معاناة المدينة وصمود الفلسطيني في مواجهة الاحتلال بأسلوب الكوميديا السوداء، وتدوّن قصة الحب مقابل القهر، والبحث عن الحياة، فكانت رقصًا على الجراح، ولكنها لا تنسى الأمل في رهانها على التاريخ، وقد وصفها الناقد فيصل دراج بأنها "مأساة قدمت بأسلوب لا يخلو من البهجة".