مع حلول الذكرى الـ53 لاكتمال حلقة احتلال (إسرائيل) للقدس المحتلة، لازال المقدسيون يسطرون أسمى مواقف الصمود والتحدي، في مواجهة مشاريع الاحتلال التهويدية والاستيطانية.
ويركز الاحتلال منذ الـ5 من يونيو/حزيران عام 1967، أو ما يُعرف عربيا باسم "النكسة"، على فرض سيطرته على كل شيء فلسطيني في المدينة المقدسة، وتغيير طابعها الجغرافي والديموغرافي.
ومنذ ذاك التاريخ، تسارعت المشاريع الاستيطانية في محاولة للسيطرة على القدس بأحيائها الفلسطينية، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، إلا أن دولة الاحتلال لم تفلح في تغيير هوية المدينة الفلسطينية التي لازالت.
اتجاهان للسيطرة
وأوضح الخبير في شؤون الاستيطان، ومدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس، خليل تفكجي، أن الاحتلال الإسرائيلي اعتمد على اتجاهين للسيطرة على القدس، يتمثلان في جغرافية المدينة وأرضها، وديمغرافيتها متمثلة بسكانها.
وقال تفكجي في حديثه لصحيفة "فلسطين": "الاحتلال طبّق هذه السياسة لتحقيق أهدافه على مراحل مختلفة باعتماده على قوانين عثمانية وبريطانية وإسرائيلية محورها وشرعنها من أجل محاربة المواطن المقدسي".
وأضاف: "منذ عام 1967م، سيطر الاحتلال على 35% من مساحة الجزء الشرقي للقدس عبر قانون (المصلحة العامة) الذي تطبقه بلدية الاحتلال"، مشيراً إلى أن هذا البرنامج وضعته وطورته اللجنة الوزارية لشؤون القدس عام 1973 (لجنة غيفني)".
وعمدت حكومات الاحتلال المتعاقبة على تنفيذ توصيات تلك اللجنة، أبرزها عدم السماح بأن تتجاوز نسبة السكان الفلسطينيين 22% من سكان القدس، لتكون ذات أقلية عربية وأغلبية يهودية مطلقة.
وبفعل قرارات تلك اللجنة، أوضح تفكجي أن الاحتلال رسم حدودا جديدة لـما أطلق عليه "القدس الكبرى" عام 1993 لتشكل أراضي المدينة 600 كيلومتر مربع لربط التجمعات الاستيطانية بالمدينة.
قوانين عنصرية
ومن أبرز القوانين التي استخدمها الاحتلال لفرض سيطرته على القدس، وتطبيق مخططاته التهويدية، قانون "التنظيم والبناء" لمصادرة الأراضي الخضراء، وقانون "أملاك الغائبين" المختص بـالسيطرة على الأرض وقانون "الجيل الثالث" للسيطرة على المنازل.
وقال تفكجي إن الاحتلال قنن بشكل كبير من منح المقدسيين تراخيص البناء، وشرعن هدم منازلهم بهدف تفريغ القدس من سكانها الأصليين، وعزلهم عبر بنائه جدار الفصل العنصري.
وأضاف: "أقام الاحتلال الجدار العازل وأخرج 150 ألف فلسطيني من القدس وهم في مهب الرياح، والاحتلال يسعى لتطبيق مشروع حاييم رامون وهرتسوغ، للتخلص من سكان القدس الفلسطينيين".
صراع ديموغرافي
وحول الصراع الديمغرافي الذي يعيشه أهالي القدس، بين تفكجي أن عدد سكان القدس الفلسطينيين بلغ عام 1967م نحو 70 ألف نسمة، فيما تضاعف مع عام 2020 إلى250 ألف نسمة.
وأشار إلى أن دراسات بحثية توقعت أن تبلغ نسبة سكان القدس من الفلسطينيين عام 2040م، 55% لتكون القدس ذات أغلبية عربية، وبالتالي سيكون رئيس بلدية المدينة عربيا، وينتهي ما يسمى "القدس عاصمة للاحتلال".
وبين أن ما يسمى مشروع (القدس الكبرى) الإسرائيلي يعمل على ضم الكتل الاستيطانية إلى داخل حدود بلدية الاحتلال والتخلص من السكان الفلسطينيين، عبر ضم تجمعات استيطانية أبرزها: معاليه أدوميم وجفعاتي أزيف وغيرها.
ويسعى الاحتلال من خلال المشروع إلى جلب آلاف المستوطنين إلى القدس المحتلة، وجذبهم بمشاريعها كإقامة المطارات والسكك الحديدية والفنادق والمناطق السياحية.
وحذر من استمرار الاحتلال بتنفيذ مشاريعه الاستيطانية، وبناء 58 ألف وحدة استيطانية، لتوسيع المستوطنات وبناء بؤر استيطانية جديدة.
فشل فلسطيني رسمي
ورأى أن الاحتلال قد نجح في تنفيذ سياساته ومخططاته الاستيطانية لصالحه، وصولاً لتحقيق وتنفيذ "صفقة ترامب نتنياهو التصفوية"، مشيرًا إلى أن الموقف الرسمي الفلسطيني اتجاه المدينة لا يتجاوز التصريحات بعيدًا عن الفعل.
وذكر أن الظروف الدولية والعربية والواقع الفلسطيني المتفكك، والدعم الأمريكي عبر الضوء الأخضر للاحتلال، أدت إلى زيادة وتيرة الاستيطان وتهويد المدينة، عبر دمج أحياء شرقي القدس بغربها وإقامة مستوطنات في الأحياء الفلسطينية.
وقال: "رغم سوداوية الوضع الحالي إلا أن في نهاية النفق هناك إضاءة تنير لنا طريق الحرية، عبر صمود المقدسيين وتضحياتهم، وما انتصارهم في إزالة البوابات الإلكترونية وفتح مصلى باب الرحمة إلا دليل على صمودهم في وجه الاحتلال".
ودعا تفكجي إلى ضرورة وجود خطة استراتيجية فلسطينية تجاه مدينة القدس، لرعاية شؤوننا الصحية والثقافية والتعليمية، ووقف التدهور الحادث الآن في المدينة المقدسة".