أن ينكشف أمر العميل فيُعتَقل ويُقتَص منه لجريمته بحق وطنه، ليس نهاية الحكاية أو القصة، إذ إنه بهذه الجريمة يترك آثارًا سلبية خطيرة لا تتوقف صوّلاتها في جنبات أسرته الصغيرة وعائلته الكبيرة دون أي توقف على مدار الزمن المستقبلي.
وبرسم الواقع تدفع أسر عملاء الاحتلال الإسرائيلي بعد انكشاف أمرهم فاتورة باهظة، إذ ينتابها الشعور بالعزلة الواضحة، والابتعاد عن المصاهرة والمقتضيات الاجتماعية.
والعملاء هو مصطلح يطلق على الأشخاص الذين يتعاونون مع جيش الاحتلال ومخابراته، وينفذون مهام خاصة تأمرهم بها الجهات المشغلة لهم، تكون خطيرة ومضرة وتؤدي إلى نتائج سلبية.
وعلى رغم محاولات التحفظ على أسماء العملاء بعد انكشافهم أو القصاص منهم، لدواعٍ ذات علاقة مجتمعية وأسرية، إن الشواهد على الأرض، وتسرب الأخبار بين الأفراد والعائلات سرعان ما يكشفان عن هذه الأسماء، لتصبح متداولة ومعروفة.
الاختصاصي في الشأن النفسي د. فضل أبو هين يشدد على أن الذي يحصل من بعد انكشاف العميل "كارثة" بكل معنى الكلمة على مستوى الأسرة والعائلة، ومستوى المجتمع المحيط.
ويقول أبو هين في حديث مع صحيفة "فلسطين": "تخيل لو أن الصورة معاكسة، وكان في البيت شهيد قضى من الاحتلال، فالذي يحصل التقدير والفخر والمساندة الاجتماعية، وعلى الجانب الآخر، سيكون الاستقباح وعدم التقدير".
ويضيف: "حينما ينكشف تخابر وعمالة إنسان للعدو المحتل أرضنا ومقدساتنا، وعمله ضد الدين والوطن والعادات والتقاليد؛ المجتمع كله يستقبح هذا الفعل وينكره، ولا يوقع الملامة على شخص العميل فحسب".
ويلفت إلى أن الوقائع الحية تشير إلى أن كثيرًا من أبناء العملاء بعد انكشاف أمرهم باتوا منطوين معزولين، لا يستطيعون الذهاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، أو الشراء من الأسواق، والسير في الشوارع بحرية؛ فهم يشعرون أن "العار يلاحقهم، وعيونهم مكسورة".
ويترك العميل –وفقًا لحديث أبو هين- "سمعة سيئة ثقيلة على أسرته وعائلته، تدفعهم إلى تغيير أماكن سكناهم، والرغبة في مناطق مجتمعية لا يعرف سكانها عنهم شيئًا".
ويسلك كثيرون مسالك شبه مقاطعة لأسرة العميل، من حيث الزواج، أو المعاملة التجارية، والمجتمعية، مشددًا على أنّ هذه التركة والورثة الثقيلة التي يتركها العميل لابد أن تدعوه للتفكير والعودة عن الطريق الذي ربما وقع فيه تحت ظرف معين، حتى لا يجد نفسه وأسرته وعائلته في دائرة "العار" المستدام.
"أهمية قصوى"
وتُولي دولة الاحتلال الإسرائيلي تجنيد العملاء أهمية قصوى، وأنشأت أجهزة وأقسامًا ودوائر أمنية متخصصة، لتجنيد العملاء، وتعمل ليل نهار دون ملل لإسقاط الفلسطينيين والعرب في أوكار العمالة، دون اكتراث لما يلحق بمن يقع في حبالها من نتائج على الصعيد الشخصي أو الأسري.
بدوه يقول الاختصاصي في الشأن الاجتماعي د. درداح الشاعر: "إن العملاء يتسببون بالكثير من الضرر للمجتمع الفلسطيني، إذ إنهم لا يقدمون فقط المعلومات للاحتلال، بل يعملون طابورًا خامسًا يبث الشائعات والبلبلة، ويصل الأمر لاختراق صفوف المقاومة، واغتيال شخصياتها، ما يُعاظم من النزعة العدوانية المجتمعية تجاههم".
ويؤكد الشاعر أن العميل سيلقى حسابه في المجتمع إذا كشف أو من الله بعد موته، نتيجة لبيع نفسه للاحتلال والشيطان، لكن المعاناة النفسية الحقيقية هي الوصمة التي تلحق أسرته وأبناءه بعد انكشافه، ووفاته، ما يشعر العائلة بـ"الدونية والنقص" داخل المجتمع الذي كانت تشعر فيه سابقًا بالفخر والاعتزاز.
ويلفت إلى أن هذه الوصمة تلاحق أبناء العملاء في مدارسهم وجامعاتهم، وحينما يقترب البنات من سن الزواج، يعزف عنهن كثير من الشباب، حتى أقرب الناس إليهم، خشية السمعة، رغم أن لا ذنب لهن اقترفنه.
ويكمل حديثه: "إن مجتمعنا بطبيعته لا يرحم على الإطلاق المتورطين في قصص العمالة والتخابر، وتبقى الواقعة تلاحقهم في الممات وما بعد الممات".