"في مستشفى سجن الرملة أجريت لسلطان عملية أسفل الظهر عندما كان أسيرًا سنة 2004، وبعدما تزوجنا في 2011 أظهرت الفحوصات أن العملية ستحرمه من الإنجاب"؛ تتقطع أوصال صوت زوجة الأسير سلطان خلف، دون أن تسعفها الكلمات في تصوير معاناتها التي تجددت على يد الاحتلال الإسرائيلي منذ شهرين.
نبيلة خلف، تسبب الاحتلال في حرمانها من الأطفال عبر إيذاء زوجها، قبل أن يعيدها وحيدةً بين جدران منزلها الأربعة، في حين ينقضي شهر تلو آخر من حياة سلطان الذي زجه الاحتلال مجددًا، بلا تهمة، في سجونه.
"سلطان هو كل ما أملك في هذه الحياة، هو الزوج والابن والأخ بالنسبة لي"؛ هذا ما يعنيه زوجها لها، وقد زاد حرمانهما من الإنجاب تعلقهما ببعضهما بعضًا.
كان الضرر الذي أوقعه الاحتلال على سلطان حينئذ بالغًا، وقد تسبب له بخلل في الهرمونات المسؤولة عن الإنجاب، في إثر الإهمال الطبي والعملية الجراحية اللاحقة.
إنه "قتل بطيء" للأسير، وفق وصف زوجته التي تعود ذاكرتها بأسى إلى نتائج فحوصات ما بعد الزواج.
أما الآن فيواجه سلطان المتخصص في الهندسة الزراعية، مصيرًا مجهولًا، منذ أسره في يوليو/ تموز الماضي، إذ تقول الزوجة في دردشة مع صحيفة "فلسطين": قوات الاحتلال اقتحمت منزلنا في جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، وكسرت الأبواب، واقتادته قسرًا إلى السجن.
وكان عيد الأضحى الفائت هو الأول الذي يمر دون أن يلتقي فيه سلطان عائلته وزوجته منذ سنوات.
منع من الزيارة
وبينما يتسارع الوقت تزداد خشية العائلة من سماع نبأ استشهاد ابنها سلطان المضرب عن الطعام لليوم الـ63 تواليًا، وسط تحذيرات من صعوبة وضعه الصحي.
وبدلًا من الإفراج عنه، نزل نبأ تجديد أسر سلطان إداريًّا أول من أمس، ولمدة أربعة أشهر أخرى قابلة للتجديد، كالصاعقة على العائلة والزوجة.
ومع حرمانهم من الزيارة، يتلقى ذوو الأسير الإداري أخباره من محاميه كلما سنحت لهم الفرصة بذلك، وبات وحده يشكل حلقة الوصل فيما بينهم.
ويأبى سلطان أن يتناول حتى المدعمات أو السكر أو الملح رفضا لتجديد أسره بلا تهمة أو محاكمة.
ويحتل الخوف قلب نبيلة بعدما شهد الوضع الصحي لزوجها تراجعًا، لا سيما بعد أيام من استشهاد الأسير بسام السايح، الذي رفع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ سنة 1967 إلى 221.
"عندما سمعت نبأ استشهاد الأسير السايح دعوت الله أن يصبر أهله، وانتابني القلق على زوجي سلطان"، تتابع حديثها، متسائلة: هل يجب أن ننتظر حتى يصل الأسير إلى مرحلة صحية صعبة ويكون على مشارف الاستشهاد حتى نتحرك؟
وبينما تشيد زوجة الأسير بالوقفات التضامنية معه بعد ذيوع تدهور صحته، تبدي مخاوفها من أن يخفت هذا الحراك التضامني، مطالبة بـ"استنفار" فلسطيني دائم يضغط على الاحتلال، لضمان نصرة الأسرى الذين ضحوا بزهرة شبابهم، وعلى الأقل السماح لذويهم بزيارتهم.
ونتيجة للمعاناة ذاتها، تنهد أحمد خلف والد الأسير سلطان، واستغرق في شهيقه وزفيره عندما فاق ألمه قدرة حروف اللغة على التعبير.
وفي حديث مع صحيفة "فلسطين"، حاول الأب الستيني شرح معاناته قائلًا: تمر ساعات صعبة كجبال جاثمة على صدورنا، ونحن ممنوعون من زيارة ابني، الذي أخبرني المحامي بأنه غير قادر على الحركة ويعاني خللًا في الدماغ.
وانصبت مخاوف أهل جنين أيضًا من أن يفارق سلطان الحياة في السجن، فاندفع كثير منهم إلى مظاهرات مسائية، أول من أمس.
وحتى والدة سلطان التي تجاوزت الـ50 عاما، محرومة من زيارته، وقد غلبها الأسى وتجذرت صرخة الأمومة في صدرها.
ولجأت العائلة إلى مناشدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي أفادتها –والكلام لا يزال لوالد الأسير- برفض الاحتلال.
حكم بالإعدام
وكان أبلغ وصف لتجديد أسر سلطان إداريًّا هو أنه "إقرار إعدام"؛ وهو ما جاء على لسان مدير مركز أسرى فلسطين للدراسات رياض الأشقر.
"حالة الأسير الصحية وصلت إلى مرحلة خطيرة جدًّا، ولا تتحمل البقاء في السجون في تلك الظروف القاسية، بخلاف ادعاءات النيابة العسكرية بأنه لا يوجد خطورة على حياته، والتي رفضت محكمة سالم العسكرية الأسبوع الماضي إطلاق سراحه بناء عليها"، بحسب الأشقر في بيان له وصلت صحيفة "فلسطين" نسخة عنه.
وما ضاعف قساوة وضعه، هو تعرض سلطان قبل ثلاثة أيام، لانتكاسة صحية خطيرة منها انهيار في أجزاء عديدة من جسده، وتقرحات شديدة في الفم ومشكلات في الرؤية، تضاف إلى معاناته سابقاً من ضعف في عضلة القلب، وضيق في التنفس، وآلام شديدة في البطن والظهر والكلى وعدم التركيز، وفق الأشقر.
ولا تزال سلطات الاحتلال تواصل أسر سلطان، رافضة تلبية مطالبه العادلة بتحديد سقف لأسره إداريًّا، كما يؤكد الأشقر الذي يُحمِّل الاحتلال وإدارة سجونه والطواقم الطبية في مستشفى "كابلان" المسؤولية الكاملة عن حياته في ظل مشاركته في عملية "قتل ممنهجة" للأسير؛ في حين "يموت" ذووه وفي مقدمتهم زوجته "ألف مرة" يوميًّا.