حتى الأموات لم يسلموا من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي "الإجرامية"، الذي يواصل استهدافه لمقابر المسلمين في مدينة القدس المحتلة، ضارباً بعرض الحائط كل القوانين والمواثيق الدولية الداعية لضرورة حفظ الآثار الإسلامية والدينية.
وكان آخر جرائم الاحتلال بحق مقبرة "مأمن الله"، حيث عثرت طواقم بلدية الاحتلال، أمس، على ثلاثة هياكل عظمية، أثناء عملية الحفر في المقبرة التاريخية الواقعة غربي مدينة القدس المحتلة.
وسبق لسلطات الاحتلال مواصلة استهداف وتجريف مقبرة "باب الرحمة" بشكل شبه يومي، من أجل إقامة مشاريع تهويدية مثل "القطار الهوائي".
وتندرج هذه الإجراءات ضمن العدوان "السافر" الذي يشنه الاحتلال ضد المقابر، ومحاولة تغيير معالمها، وتحويلها إلى أماكن يهودية، وفق رأي مختصين وخبراء في الشؤون المقدسية.
الخبير في الشأن المقدسي د. حسن خاطر، أوضح أن الاحتلال يسعى لتحويل هذه المقبر إلى منتزه، بحيث تكون مكاناً للسياحة والاستعراضات السينمائية، مشيراً إلى أن المقبرة تعود أصولها إلى العهود القديمة، وتضم آلاف قبور الصحابة والشهداء.
وأكد خاطر وهو رئيس مركز القدس الدولي، لصحيفة "فلسطين"، أن الاحتلال يعتدي على هذه المقبرة بشكل متواصل، ونهش جزءاً كبيراً منها، ولم يتبقَ إلا مساحات صغيرة.
ولفت إلى أن القسم المتبقي تصل نسبته قرابة 5%، ويضم قبورا فوق الأرض، لكن "الاحتلال يريد التخلص منها"، وفق قوله.
وشدد على أن سياسة الاحتلال لا يسلم منها لا حي ولا ميت، فهو يشن عدواناً "سافراً" على كل المعالم والآثار والشواهد الإسلامية في مدينة القدس.
وذكر أن الاحتلال يعتقد أن الفرصة سانحة له في الوقت الراهن، للانقضاض عليها وتنظيف المقبرة وإزالة شواهدها وطمسها بشكل كامل، مُعتبراً المساس بالقبور "جريمة" لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يغفر للاحتلال على فعلته.
من جهته، الخبير في الشأن المقدسي د. جمال عمرو، ذكر أنه لم يتبقَ سوى 5 دونمات من مقبرة "مأمن الله" من أصل 200 دونم، مؤكدًا أن الاحتلال يبذل كل جهوده من أجل طمس كل معالم الحضارة الإسلامية في مدينة القدس.
وقال عمرو خلال حديثه لصحيفة "فلسطين": إن سلطات الاحتلال تنتهك حرمات المسلمين وهم في قبورهم، واصفاً تلك الإجراءات بـ "المجزرة التي تُشن ضد القبور، واقتلاع قبور المسلمين"، وفق تعبيره.
تلاعب بالقانون
ولا يختلف اثنان على مدى تلاعب سلطات الاحتلال بقوانين الآثار بما يخدم مصالحها، حيث قالت ما تُسمى سلطة "الآثار" الاسرائيلية، إن هذا المدفن "حديث" نسبياً وغير محمي بموجب قانون الآثار، وبالتالي لن يتم التنقيب عنه بطريقة منظمة، وسيبقى في مكانه وتمهيد الطريق فوقه، وفق صحيفة "هآرتس".
وفقًا للقانون الإسرائيلي، فإن الآثار التي يجب حمايتها هي مبانٍ أو كائنات تعود إلى 1700 سنة إلى الوراء، ولذلك لا يعتبر هذا المدفن أثرًا قديمًا ويمكن تدميره.
وهنا يُعلّق الخبير المقدسي خاطر، أن الاحتلال يُفسر مفهوم الآثار وفق أهوائه، في محاولة منه لإثبات يهودية هذه الآثار، مؤكداً أن هذه التفسيرات لا تعود لأصول علمية منهجية.
وشدد على ضرورة عدم التسليم بالمزاعم الاسرائيلية، "فكل قبر جزء من مدينة القدس، له قيمة كبيرة عند المسلمين"، يضيف خاطر.
وطالب المنظمات الدولية المختصة بالتراث، بعدم الاعتراف بما تقوم به سلطات الاحتلال في مقابر مدينة القدس، لافتاً إلى أن الاحتلال لا يكترث للاحتجاجات المقدسية ووزارة الاوقاف ويواصل عمليات الحفر في المقبرة.
كما دعا هذه المؤسسات للضغط على سلطات الاحتلال، ومنعها من مواصلة مشاريعها التهويدية في مدينة القدس.
فيما شدد عمرو، على أن "هذه التفسيرات خاطئة، وهؤلاء (اليهود) لا قانون ولا قيم لهم، ويفصلون الأمور على الطريقة التي تناسبهم".
تجدر الإشارة إلى أن بلدية الاحتلال أنشأت على المقبرة العديد من المشاريع الاستيطانية من بينها، متحف التسامح، ومحل خمور، وحديقة الاستقلال، وفنادق، ومكاتب التأمين الإسرائيلي، وغيرها.
وتُعد "مأمن الله" من أكبر المقابر الإسلامية في القدس، وتضم رفات وأضرحة أعلام وصحابة وشهداء وتابعين مسلمين كثيرين، دفنوا فيها منذ الفتح الإسلامي للقدس عام 636م.