ارتبطت الحاجة احلام علاونة وجدانيًا بمدينة غزة مذ أن شاء القدر أن تتزوج ابنتها " لينا" من شاب غزي في عام 2003 م، لتقصدها بين الفينة والآخرى للاطمئنان على ابنتها وقضاء وقت جميل في المدينة التي أحبت .. ولكن الزيارة الأخيرة كانت لها ملامح مختلفة.
الزيارة الأخيرة
اعتادت الحاجة علاونة وهي من أسرة ثرية في مدينة جنين القدوم لغزة، حتى أنها استأجرت شقة في شارع الجلاء بشكل دائم تدفع إيجارها حتى وهي في الضفة لتكون منزلًا لها حين زيارة ابنتها لينا وابنها الساجد لله الذي اختار هو الآخر الارتباط بفتاة غزية والاستقرار في غزة.
وقد استبد الشوق بـ " لينا" لأمها فطلبت منها القدوم لزيارتها و بعد تردد وافقت الحاجة علاونة على المجيء فهذه المرة لم يكن قلبها مرتاحًا، " تحت إلحاحي، وإصراري على أن تأتي حزمت أمتعتها ووصلت غزة قبيل الحرب بأسبوعين".
كان الوقت يمر سريعًا حتى اندلعت " حرب الإبادة " على غزة، حيث انقلبت الأحوال، ورغم أن الحاجة علاونة كانت موجودة أثناء " حرب الفرقان" إلا أن الأمر هذه المرة كان مختلفا للغاية.
فلم يمر وقت طويل حتى انهار بيت " لينا" وهي في داخله إثر قصف مجاور لتقرر النزوح للجنوب، ورغم إصرارها على أخذ والدتها معها إلا أن الأخيرة رفضت على أمل أن يتم فتح معبر " إيريز" ويسمح لها بالذهاب للضفة الغربية حيث أن أوراق العودة كانت جاهزة.
وبعد وقت قليل، ألقى الاحتلال برميلًا متفجرًا في المنطقة التي تسكن فيها الحاجة علاونة لينهار البيت الذي كانت تستأجره وتبدأ رحلة النزوح المريرة خالية الوفاض من أي ممتلكات أو مال في ظل استحالة استقبال تحويلات مالية من أهلها بالضفة.
عاشت علاونة كل ما ذاقه أهل غزة من نزوح و حاجة وغلاء أسعار، " تنقلت أمي بين المدارس وبيوت المعارف حتى استقر بها المقام في بيت حماتي المدمر في ما تبقى واقفًا منه".
ولكون " علاونة" تعيش أساسا على المسكنات وفي ظل شح المال والأدوية لم تستطب نفسها أن تمد يدها لأي أحد، فأصبحت تقضي نهارها في بيع كتب الأذكار على مرتادي " المشفى المعمداني" لتحصل ما تستطيع من قوت يومها وثمن أدويتها في ظل صعوبة الوضع المادي لابنتها النازحة وابنها المتطوع في مجال الإسعاف.
وفي الأول من نوفمبر وبينما هي عائدة من مشوارها اليومي إلى المعمداني، إذ حصل قصف إسرائيلي على " سوق فراس" أدى لارتقائها شهيدة، " كان أخي الساجد لله يتصل بها، إذ برجل غريب يرد عليه وعندما عرف أنه ابنها طلب منه الحضور لـ المعمداني" وهناك فوجئ بأن والدتي قد فارقت الحياة، وهنا كانت الصدمة التي لم نفق منها حتى اللحظة".
فقد كانت علاونة تجهز نفسها للسفر ضمن قافلة لمنظمة الصحة العالمية للأردن في الرابع من الشهر نفسه بعد حصولها على تحويلة طبية ،"كانت تطمئننا بأنها سترسل لنا ما يعيننا على الوضع الصعب الذي نعيشه، لكننا لم نتوقع يومًا أن تكون شهيدة في غزة التي أحبتها وكانت تأتي لزيارتها بكل سعادة".