وأمام مشرحة مستشفى "الأهلي العربي" أو ما يُعرف بـ "المعمداني" اصطفت جثامين شهداء العائلة، وكان أولهم الأم "نداء" وابنتها آية التي لم تتجاوز الـ 13 عامًا، وعبد الرحمن ذو الـ 11 عامًا، وعلى مقربة منهم جلس عدداً من أقاربهم ينتظرون وصول جثمان الأب "شادي" (35 عامًا) وابنته الصغيرة شادية 5 أعوام، كانت الطواقم الطبية والدفاع المدني تكافح لاستخراجهما من تحت الأنقاض.
وكانت طائرات الاحتلال الإسرائيلي قصفت المنزل المكون من خمس طوابق، والذي يقع في شارع الثلاثيني بالقرب من شركة الكهرباء بمدينة غزة، الأربعاء الماضي، بصاروخ تدميري ما أدى لانهياره بالكامل، ويرتقي إثرها خمسة شهداء هم الأب والأم وأبناؤهم.
صدمة كبيرة
وأمام جثامين الشهداء التي لفت بالكفن الأبيض، وقف محمد الحداد، أحد أفراد العائلة، على عكاز طبي يساعده على السير، معبّرًا عن ألم لا يوصف إثر المجزرة التي ارتكبت بحق أفراد عائلته .
وقال الحداد بغضب: جيش الاحتلال لا يفرق بين أحد، فالجميع هنا عرضة للاستهداف في أي وقت، متسائلًا: "ما الذنب الذي ارتكبته شقيقتي وزوجها وأولادهم ليتم استهدافهم بشكل متعمد وهم نيام في منزلهم؟!.
وأضاف بحرقة: ألا يكفي أن العائلة ودعت ابنهم "أحمد" شهيدًا في أكتوبر الماضي، بعد أن سقطت قذيفة على المنزل؟! وأين العالم من معاناتنا؟!.
ويلفت الحداد لـ "فلسطين أون لاين" أن حياة شقيقته وزوجها انقلبت رأسًا على عقب بعد استشهاد ابنهم "أحمد" وباتوا يعيشون في خوف دائم، ينتظرون الموت في أي لحظة، فالاحتلال لا يميز بين طفل أو امرأة، بين نائم أو مستيقظ، فالجميع تحت مرمى صواريخه.
ويكمل الحداد بحسرة: "عندما سمعت بخبر قصف المنزل، شعرت بصدمة كبيرة، حاولت الاتصال بشقيقتي وزوجها مرات عديدة لأتأكد من الخبر، لكن لم أتمكن من الوصول إليهما، فهرعت إلى المكان، لأجده قد سوّي بالأرض.
شريط الذكريات
وأمضى الحداد بالقول: وبصعوبة بالغة، استطاعت الطواقم الطبية أن تنتشل جثامين شقيقتي "نداء" وابنها "عبد الرحمن" وابنتها "آية" لكن زوجها وابنتهما الصغيرة "شادية" بقيتا تحت الأنقاض بسبب صعوبة الوصول إليهما، نظرًا لعدم توفر الآليات اللازمة.
وحاول "محمد" العودة بذاكرته إلى الوراء، إلى الأيام التي كانت فيها شقيقته وعائلتها على قيد الحياة، قائلًا: كانت أسرة محبة، قريبة إلى قلبه، واليوم رحيلهم ترك فراغًا لا يمكن ملؤه، مضيفًا بحزن: أن العائلة شطبت بأكملها من السجل المدني بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، وكأنهم لم يكونوا يومًا.
لم يكن منزل عائلة الحداد، مجرد بناء بل كان مكانًا يحمل ذكرياتهم وآلامهم، وتحول اليوم إلى كومة من الركام ليبقى شاهدًا على حجم المأساة التي يعيشها سكان قطاع غزة.
ويرى الحداد، أن ما يحدث في غزة يفوق الوصف، فالحياة هنا أصبحت ساحة انتظار للموت فكل بيت مهدد، وكل عائلة قد تكون التالية في قائمة الشهداء فلا يشعر أهل غزة بالأمان، ولا يرون في الأفق أي نهاية لهذا الكابوس الذي يعيشونه.