فلسطين أون لاين

"حرب غزة" تُشعل أسعار الهواتف المستعملة

...
النصيرات/ محمد عيد

وجدت الموظفة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" سماهر حمد نفسها أمام خيارات صعبة بعد سقوط هاتفها وتحطُّم شاشته أثناء عملها في إحدى مراكز إيواء النازحين.

 

وبعد انتهاء دوام عملها، اندفعت سريعًا للتوجه لأحد متاجر الهواتف للبحث عن أحد الحلول السريعة لهاتفها الذي يشكل لها "حلقة الوصل" بين أسرتها وعملها معًا.

 

وتفاجأت سماهر الذي يبلغ ثمن هاتفها 1000 شيقل/ نحو (300 دولار)، بعدم توفر (شاشة) بديلة؛ وذلك بعد نفاذ جميع مستلزمات صيانة الهواتف الذكية من متاجر غزة.

 

وبعد بحث طويل، عثرت على متجر يمكنه استبدال شاشة هاتفها المحطمة، لكن! بثمن 700 شيقل (200 دولار)، وعلقت على ذلك بصدمة: "إنه مبلغ كبير جدا على عملية التصليح!". 

 

وأبلغ صاحب المتجر زبونته بأن ثمن عملية التصليح قبل الحرب كانت تبلغ 100 شيقل (30 دولار) والآن تبلغ (200 دولار).

 

وعزا صاحب المتجر ارتفاع أسعار الصيانة إلى الإغلاق "الإسرائيلي" المستمر لجميع معابر غزة منذ بدء "حرب الإبادة" في 7 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، ومنع الاحتلال إدخال أي هواتف جديدة أو مستلزمات الصيانة.

 

وأخيرًا، اضطرت الموظفة التي لا يزال عملها ساريًا خلال الحرب في المنظمة الأممية إلى شراء هاتف مستعمل من نوع (a 12) بثمن (300 دولار).

 

وقبل الحرب "الإسرائيلية" المستمرة منذ أكثر من 10 شهور كان يبلغ ثمن الهاتف المذكور 400 شيقل (110 دولار).

 

ووصفت سماهر عملية الشراء بـ"الاضطرارية .. يجب أن أكون على تواصل مستمر مع أسرتي وعملي .. يجب أن أكون على معرفة بمستجدات الأخبار والقصف هنا وهناك".

 

وقالت: "لا خيارات بديلة أمامي .. ولا استغناء عن الهاتف في هذه الحرب اللعينة".

 

ضرورة أساسية

 

وبالنسبة للمواطن ياسر الوصيفي فإن أمر الاستغناء عن الهاتف "صعب جدًا"، وذلك بعد قصف الاحتلال منزل العائلة وتدميره جميع الممتلكات.

 

وسارع الوصيفي (30 عامًا) لاحقًا لترتيب حياة أسرته داخل (حاصل تجاري) وشراء بعض مستلزماتها، لكن أكثر شيء يعرقل مهامه الحياتية، بحسب وصفه، هو "فقدان هاتفه".

 

وقال: "أجد صعوبة بالغة في التواصل مع والداي وأسرتي .. كل منهما يقيم في جهة".

 

وانتظر الأب لطفلين، مدة شهرين إلى حين وصول "مساعدة مالية" من شقيقه المغترب في ألمانيا، الأمر الذي مكّنه من شراء هاتف مستعمل "بسيط" بقيمة 400 شيكل.

 

وذكر أن الهاتف المذكور كان يبلغ ثمنه 200 شيكل، وقال: "نعيش ظروف حياتية صعبة .. الأولوية هنا (في غزة) للطعام والشراب".

 

ومن وجهة نظره، فإن الهاتف "حاجة أساسية في هذه الحرب .. جميع المساعدات الإنسانية والأممية يتم إبلاغ مستحقيها عبر رسالة نصية لهاتف الشخص المستفيد".

 

وتساءل: "كيف يمكن أن أحصل على مساعدة غذائية أو مالية دون وجود هاتف؟"

 

واشتكى الوصيفي من ارتفاع أسعار جميع السلع والمستلزمات الحياتية في ظل انسداد الأفق السياسي لإنهاء "الحرب الهمجية" على أكثر من 2 مليون مدني في غزة.   

 

"لا بدائل"

 

داخل متجره في سوق مخيم النصيرات وسط القطاع، لا يفتأ التاجر أحمد الطهراوي عن الاعتذار لزبائنه عن وجود أجهزة ذكية سواء جديدة أو مستعملة.

 

ويكرر الطهراوي اعتذاره أيضًا لزبائنه عن إغلاق قسم الصيانة – إلا من حالات محدودة – بسبب نفاذ قطع صيانة الهواتف ومستلزماتها.

 

وأشار إلى أن فقدان المتاجر للأجهزة الجديدة بعد شهرين من بدء الحرب، ضاعف الطلب على عمليات تصليح الهواتف وكذلك الطلب على شراء الهواتف المستعملة.

 

ولفت في حديثه لمراسل "فلسطين أون لاين" إلى أن طول مدة الحرب "أشعل أسعار" الهواتف المستعملة بشكل وصفه بـ"الجنوني".

 

وقسّم الهواتف الحديثة إلى ثلاثة أقسام (من وجهة نظره)، الأول: أجهزة ضعيفة الجودة ويتراوح سعر الجديد منها قبل الحرب من 300-500 شيكل، فيما يبلغ سعر المستعمل حاليا 900-1000 شيكل.

 

ونوه إلى أن القسم الثاني هو: أجهزة ذات جودة متوسطة وكان يتراوح سعر الجديد منها من 500-1100 شيكل فيما يبلغ سعر المستعمل منها حاليا 1500- 2200 شيكل.

 

وبشأن الأجهزة ذات الجودة الأعلى فإن أسعارها قبل الحرب بلغت نحو 1100 شيكل فأعلى، في حين يبلغ سعر المستعمل منها حاليا أزيد عن 2500 شيكل.

 

ورأي الطهراوي أن الأزمة ستظل قائمة وستتفاقم أيضًا إلى حين فتح معابر غزة أو معبر رفح على وجه الخصوص وبدء تدفق البضائع التجارية.

 

وبدأ جيش الاحتلال في 6 مايو/ أيار الماضي عملية عسكرية في مدينة رفح الحدودية مع مصر، وفي اليوم التالي احتلت قواته معبر رفح المنفذ الوحيد لغزة ولا تزال تغلقه حتى اللحظة.

 

ولعل تلك الأسباب السابقة، دفعت النازح محمود ياسين من حي السلطان غرب مدينة رفح إلى مخيم النصيرات إلى اللجوء لـ"هاتف قديم" بحوزة أقاربه وذلك بعد فقدان هاتفه أثناء النزوح.

 

ورغم "تعكر مزاج" ياسين بعد فقدان هاتفه "هدية من ابنته الشهيدة"، لجأ إلى اقتناء "الهاتف القديم" كخطوة "اضطرارية" كغيره من المواطنين.

 

ويحرص الجد يوميًا على التواصل مع أشقائه وشقيقاته الذين تفرقوا في مناطق نزوحهم بين مخيمات وسط القطاع و"مواصي خان يونس".

 

وقال ياسين: "لا يمكن أن أغفو على فرشتي أو أرتاح دون الاطمئنان هاتفيًا على العائلة والأرحام".    

 

وتفرض (إسرائيل) منذ يونيو/ حزيران 2007م حصار بريًا وبحريًا وجويًا على غزة، وتغلق جميع المعابر والمنافذ الحدودية وتتحكم – في حال فتح إحدى المعابر - في جميع البضائع والمستلزمات والمساعدات الداخلة إلى القطاع.

ومنذ السابع من أكتوبر، يواصل الاحتلال "الإسرائيلي" حرب "الإبادة الجماعية" على قطاع غزة، مخلفًا عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين.