بعد انتهاء عدوان 2014 صنف استراتيجيون أميركيون يعملون في مراكز الفكر الأمريكية، الأنفاق على أنها "سلاح استراتيجي" يمتلكه الفلسطينيون واستطاعوا به كسب الحرب النفسية. هذا الاستنتاج هو نفسه الذي توصل إليه وأقره الجيش الصهيوني خلال وبعد الحرب وأشعل نقاشًا طويلا وعميقا على ثلاثة مستويات: الأمنية والعسكرية والاستراتيجية.
لذلك غيّر الجيش الصهيوني أهدافه من العدوان فأعلن أنه يستهدف الأنفاق الهجومية للمقاومة. وحسب تعريفه فإن هذه الانفاق هي التي يستخدمها المقاومون للالتفاف خلف خطوطه خلال الهجوم البري مما يجعل قواته بين فكي كماشة لتصبح هدفا سهلا للصيد والقنص أو حتى الأسر سواء للجنود أحياء أو قتلى كجثث، إضافة إلى استخدامها لاختراق خط التماس والعبور إلى الداخل الفلسطيني ومهاجمة جنود ودوريات ومواقع كما حدث في أكثر من مكان خلال الحرب.
هذا النوع من الأنفاق أصاب جنود الاحتلال بنوع من الهستيريا والهوس والذي جعلهم يتخيلون أن المقاومين سيخرجون إليهم من كل نقطة ومن تحت الارض، وهو الأمر الذي أثر سلبا على نفسياتهم مما أدى إلى انهيار معنوياتهم بدرجة لم تكن قيادات الجيش الصهيوني يحلمون بها. مما جعل الجيش وقياداته يحاولون قدر الإمكان الإسراع بإنهاء الحرب للتخفيف من الضغط النفسي الذي تعرض له الجنود في ساحة المعركة سواء داخل أو خارج خطوط التماس.
ولا ننسَ أيضا حالات الفزع والهلع التي أصابت المستوطنين نتيجة توهمهم بوجود أنفاق تحت بيوتهم وأنهم يسمعون أصواتا مختلفة تحت البيوت وحولها وأنه لا تفسير لذلك سوى الانفاق.
إذًا استطاعت الأنفاق ورغم جهل أماكنها وأعدادها وأنواعها وأهدافها؛ أن تبث الرعب ليس فقط في قلوب الجيش الصهيوني قادة وجندا؛ بل أيضا في نفوس المستوطنين وهو الأمر الذي أربك الجيش والأمن والجبهة الداخلية بكافة مستوياتها. إن قدرة المقاومة على الاستخدام متعدد المجالات للأنفاق سواء أمنية أو عسكرية أو حرب نفسية إنما يرسخ أمرين أساسيين: أولهما إجادة فنون الإعداد والتخطيط عملياتيًا وميدانيًا ونفسيا ومعنويا من قبل المقاومة؛ وثانيهما حالة الإرباك التي تسود بين الجنود الصهاينة والمستوطنين وذلك بلا شك يساهم في إحباط معنوياتهم ومعنويات صهاينة آخرين ربما على مسافات أبعد كثيرًا.
لقد أدركت المقاومة هذه الأبعاد النفسية والمعنوية التي أصبحت مكونات أساسية للنفسية الصهيونية؛ والتي تتعامل المقاومة على ضوئها وبمرونة عالية في استمرار استثمار هذه العوامل في الهجوم النفسي. ومما جعل الأمور تزداد تعقيدا لدى الجيش الصهيوني أن المقاومة قد أطالت مدى الحرب بطريقة لم يسبق لها مثيل؛ وهي هنا تضرب في الصميم استراتيجية صهيونية أصيلة في حروبهم مع العرب؛ حيث اعتمدوا استراتيجية الحرب الخاطفة التي تحقق النصر السريع مع رفع معنويات مستوطنيهم وانتصارهم في الحرب النفسية على أعدائهم، والأخطر من ذلك أن الأنفاق أيضا قد نسفت استراتيجية صهيونية ثانية وهي نقل الحرب إلى أرض (العدو) فإذا بالأنفاق تنسف هذه الاستراتيجية وتنقل جزءًا مهمًا من المعركة عسكريا ومعنويا إلى داخل فلسطين التاريخية مما أخلّ بكل المعادلات الاستراتيجية التي اعتمدها الجيش الصهيوني على مدار تاريخ حروبه مع العرب.
الصهاينة يبحثون عن استراتيجيات جديدة غير تلك التي احبطتها المقاومة خلال الحرب الأخيرة وذلك في إطار الحرب النفسية وحرب الأدمغة التي تدور رحاها فوق الأرض وتحت الارض وخلف الكواليس؛ وكما أن الصهاينة يطورون استراتيجياتهم فإن أدمغة المقاومة لا تعدم ولن تعدم الوسائل والأدوات المضادة للقديم والجديد معا.