تغيير الثقافة الإستراتيجية : نجاح وهمي وفشل مستقبلي
أ. د. محمد رمضان الأغا
تمر المنطقة بلحظات حرجة وفي غاية من الحساسية والتعقيد، إذ يعمل الغرب والاحتلال وآخرون، جاهدين على تغيير قسري وقهري لـ#الثقافة_الإستراتيجية بتحويل (الاحتلال) إلى صديق أو حليف أو جار حمائمي للعرب، رغم ولوغه الدموي والإجرامي، خصوصًا في دماء أطفال فلسطين ومصر والأردن وسورية ولبنان وغيرها في اعتداءات وحروب عديدة، ومما لا نعلم، لا شك أن هناك كثيرًا، وفي المقابل تحويل (الإخوة في العروبة والوطن والأرض والدين) إلى الإخوة الأعداء، فهل ينجح هؤلاء في تحقيق ما لم يحقق خلال أكثر من سبعين سنة من الجهود السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاستخبارية والأمنية والعسكرية، التي دون جدوى حتى الآن؟
هل ينجحون في تغيير الثقافة الإستراتيجية للشعوب الواعية الأصيلة عربًا ومسلمين؟
كل التجارب التاريخية في محطات عديدة أثبتت فشل تغيير الثقافة الإستراتيجية للأمم ذات الأصول الحضارية والقيمية والأخلاقية، فهذه المحاولات إنما تبذل في حالة ضعف سياسي وتيه فكري وضياع نخبوي، وهي حالات طارئة لا تدوم طويلًا لأن يقظة الشعوب أقوى مرات كثيرة من حالات النعاس الذي يغشاها أحيانًا كاستراحة المحارب.
ما يجري اليوم هو عملية جراحية وهمية معقدة لا تزيد في وصفها عن #أضغاث_أحلام، كتلك التي وصف بها حاشية الملك رؤياه في عهد نبي الله يوسف (عليه السلام)، وهي حالة معهودة ومعروفة لدى علماء النفس السياسي، إذ يتوهم بعض الساسة والقادة أنهم يمارسون عملًا حقيقيًّا وواقعيًّا، وهو في حقيقته المكشوفة مجرد أوهام صيغت، بأهداف غير قابلة للتحقيق، بسبب غياب البعد الحضاري والثقافي لدى صياغتها، ربما بوجهين: الوجه الأول فقدان هؤلاء هذا البعد، والوجه الثاني عدم إدراكهم ووعيهم أصالة هذا البعد لدى هذه الشعوب ذات الامتدادات الحضارية غير النهائية في الماضي والمستقبل معًا.
وأحدث التجارب ما اعترف به الأميركان، بعد غزوهم العراق، إذ أدركوا بعد فوات الأوان -حسب ما ذهبت إليه بعض مراكزهم الفكرية والإستراتيجية- أنهم صاغوا أهداف حرب العراق بطريقة عالية المهنية، آخذين في الحسبان توافر الموارد والإمكانات والتحالفات كافة، لكنهم بعد سنوات خلال تقويمهم الحرب اكتشفوا أن العامل الأهم الذي غاب عنهم هو: البعد الحضاري والثقافي لدولة عريقة بنت أروع الحضارات الإنسانية على مدار التاريخ، اكتشفوا يومها كأن هناك جينات حضارية متوارثة منذ آلاف السنين جيلًا بعد جيل، أنجبت لهم مقاتلين من نوع جديد لم يأخذوه في حسبانهم في أثناء تخطيطهم للحرب.
كل المحاولات الهادفة إلى تغيير الثقافة الإستراتيجية إنما هي محاولات شكلية، لم تدرك تمامًا المشكلة ولم تشخصها بدقة، فتغيير المورثات الجينية للشعوب ما زال أمرًا صعب المنال، رغم مئات التجارب في المختبرات الاستخبارية والاجتماعية الغربية، التي حاولت وتحاول ممارسة عملية التغيير هذه بإستراتيجية الصدمة، قد يظن هؤلاء في عمرهم القصير أن التجربة نجحت، وهي تمامًا منسجمة مع حالة الوهم التي تحدثنا عنها أعلاه.
صحيح أن التجربة نجحت وهميًّا، ولكن مصمم التجربة مات قبل انقضاء الأعوام المائة أو المئتين اللازمة للتحقق من نجاح أو فشل التجربة، وقبل استكماله رصد النتائج.