فلسطين أون لاين

الدستوكتاتورية


حينما تغيب المرجعية القانونية، وتهمش المرجعية التشريعية، ويتم حل مجلس المشرعين، الوحيدين الذين يملكون حق التشريع بتفويض من الشعب، حينها علينا أن نعي تماما أن القانون لعبة في يد السياسي. أسوأ اللحظات في الحياة وفي التاريخ أن يتحول القانون إلى نوع من الهوى، والتخبط، والفوضى، وتدفع الشعوب تبعا لذلك ثمنا باهظا.

تكمن المشكلة الكبرى في أوسلو اللعين الذي منح السلطة بلا سيادة مقابل حفنة من الأموال، وتنسيق أمني مدفوع الثمن. أوسلو سقفه الاحتلال، والاحتلال عدو، والعدو قاتل، والقاتل ليس فقط هو ذاك الذي يمارس القتل مهنة أو وظيفة، بل القاتل الأعتى هو الذي يسلب الناس حياتهم بتوقيعهم، ويعيشون حياة لا كالحياة، بل في ظل سلطة لا حيلة لها ولا قدرة على حماية مواطنها الذي يحمل جواز سفرها.

يقولون إن الدكتاتورية هي تسلط الحاكم على الشعوب خارج القانون وفي غياب القانون أو تغييبه. تغييب القانون أسوأ من شريعة الغاب، فالغاب به مجتمعات قوية متماسكة ضمن منظومات اجتماعية متآلفة، يحمي بعضها البعض من الأعداء والمتغولين، وقد كتب في ذلك خبراء وعلماء الأحياء والتنوع الحيوي بل وعلماء نفس الحيوان. مأساة الدكتاتورية هي في صمت الشعب، والأسوأ استقواء الحاكم تاريخيا بالأعداء في نماذج متعددة وفي جغرافيا متنوعة، اضافة إلى تراجع مكانة هذا الشعب بين الأمم والشعوب الأخرى التي تعمل بقوة وتنافس من أجل احتلال مكانها الطبيعي في منظومات القيم والعمل والأخلاق. ومعلوماتنا (البدائية) والأولية، بل ثقتنا أن شعبنا يمتلك من الطاقات المتعددة أن يكون في طليعة شعوب العالم فيما لو أتاحت له الظروف ذلك.

أوسلو لا يمنح السلطة "دستورا" أو (Constitution)، إنما يمنحها وحسب ما تم التوقيع عليه "القانون الاساسي"، والفرق بينهما أن الدستور يمنح دولته السيادة، أما القانون الاساسي فيمنحها السلطة، ولا يمنحها السيادة في أمور الدفاع والأمن والعلاقات الخارجية بل والميناء والمطار. فكيف بمن لا يملك دستورا أن يملك محكمة دستورية، وكيف بمن يملك محكمة دستورية أن يفوض قضاتها بإصدار قرار بحل مجلس تشريعي أو مجلس المشرعين، والذي ينص القانون الأساسي أن ولايته التشريعية تنتهي بتسليمها إلى مجلس تشريعي منتخب جديد. فالمجالس التشريعية والنيابية والبرلمانات وغيرها من المسميات للمؤسسات التشريعية المنتخبة، إنما هي (سيدة نفسها)، فلا سلطة ولا محكمة ولا قانون يستطيع حلها في كل الدول التي ارتضت هذا النظام. لأن من يحلها يكون قد اهان الشعب الذي انتخبها، وهو قرار يمكن أن يسمى بقرار (حل الشعب) وليس حل المجلس التشريعي، فمن يحل جسما انتخبه الشعب فكأنما يحل الشعب، ولم يحدث على مدار التاريخ الانساني أن شعبا قد تم حله.

"الدستوكتاتورية" هي محاولة تلبيس "الدستور" (...) أو "القانون الاساسي"، ثوبا لا يمكن أن يلبسه، لأنهما متناقضان تناقضا واقعيا ومنهجيا و اصطلاحيا واخلاقيا وقيميا. "فالدستور" هو القانون السامي أو هو "أب القوانين" في أي بلد ، ويلغي كل ما يتعارض معه من قوانين أو أنظمة أو لوائح أو قرارات. وسقف الدساتير هو القيم والأخلاق المشتقة من الكتب السماوية وما صح منها، إضافة إلى التجربة الإنسانية وتراكمية المعرفة. أما الدكتاتورية فهي كلمة مقيتة فظة قاتلة فاضحة مجرمة لا تعرف العدل ولا العدالة ولا القيم.