بدا لافتا أن يتظاهر مئات الطلاب الإسرائيليين في الأيام الأخيرة في العديد من مدن فلسطين المحتلة، تضامناً مع نزاع الأطباء "المتمرنين" المحتجين على ساعات الدوام الطويلة، التي تمتد 26 ساعة، ويطالبون بتقصيرها إلى 16 ساعة، فيما أعلنت السلطات الإسرائيلية عن خطة لاستقدام 3 آلاف طبيب يهودي، غالبيتهم من دول الاتحاد السوفيتي سابقا، وكندا وفرنسا والأرجنتين وأوروبا الشرقية، من أجل تغطية العجز المتنامي في هذه الشريحة المهمة للاقتصاد الإسرائيلي.
كاتب السطور ليس اقتصاديًّا، ولا يشتغل كثيرا بلغة الحسابات الرياضية، على أهميتها، لكن هذا الحدث يحمل دلالات سياسية بجانب أبعاده الاقتصادية، على اعتبار أن أحد مسوغات ترغيب دولة الاحتلال لليهود حول العالم بالمجيء إلى فلسطين المحتلة هو البعد الاقتصادي، والإغراء المعيشي، والعوامل الجاذبة على الأصعدة الحياتية، وهي أمور تجد لدى يهود العالم كثيرا من الرضا والتشجيع أكثر بكثير من "خزعبلات" أرض الميعاد والحق المزعوم لليهود في فلسطين.
اليوم أن تصاب هذه المسألة الاقتصادية والمعيشية بـ"العطب" والإتلاف والاستهداف، من خلال النزاعات الاقتصادية التي تشهدها محاكم الاحتلال، وتراجع المغريات في سوق العمل، وصولا إلى ظاهرة هجرة الأدمغة والكفاءات العلمية إلى دول أوروبا وأمريكا الشمالية، لأسباب كثيرة، على رأسها، عدم وجود عوامل مشجعة ومحفزة للبقاء في (إسرائيل)، فهذه انتكاسة جدية أمام مخططات تهجير المزيد من يهود العالم إلى فلسطين المحتلة.
صحيح أن دولة الاحتلال تعد من الدول الاقتصادية الأكثر تقدما حول العالم، ولديها إنجازات وابتكارات تسعى للحصول عليها العديد من دول العالم، وهو ما يتجلى واضحا أكثر ما يكون في مجالي الهايتك وتكنولوجيا المعلومات، وصناعة الأسلحة وتصديرها إلى العشرات من دول العالم، لكن ذلك لم يحل دون ظهور أعراض سلبية دفعت العديد من المنظمات الاقتصادية والإنتاجية حول العالم لوضع مؤشرات تنازلية، تهبط بمعدلات التقييم الاقتصادي لـ(إسرائيل) أمام سواها من دول العالم المتقدمة.
مع مرور الوقت، تزداد الأعراض السلبية لدولة الاحتلال في الشق الاقتصادي، يضاف إليها التراجع في معدلات الانتماء والولاء الديني والقومي لها من قبل اليهود، لأسباب كثيرة، ليس أقلها حالة التجاذب الحزبي والاستقطاب السياسية الداخلي، التي ساهمت بصورة كبيرة في زعزعة استقرار الدولة، فضلا عن تبدد صورة الردع العسكرية أمام العديد من دول وقوى المنطقة التي تناصب الاحتلال العداء والخصومة، وعلى مختلف الجبهات.
يمكن القول بكثير من الثقة بأن هذه المعطيات تنتقص كثيرا من مبررات وجود هذا الكيان من الأساس، فضلا عن تراجع استمرار إيمان اليهود أنفسهم بجدارة بقائه، هذا ليس حلما طوباويا، وأمنية مشروعة، بقدر ما هو حقيقة ماثلة في نظر الكثير من نخب الاحتلال ومفكريه!