يولي الإسرائيليون أهمية استثنائية للعلاقة مع الأردن، للكثير من الأسباب التي سنأتي على ذكرها في السطور التالية، ما دفع الحكومة الحالية فور توليها مسئولياتها لاستئناف الاتصالات مع المملكة، في محاولة واضحة لطي صفحة القطيعة التي رافقت الجانبين خلال السنوات الأخيرة، إذ نشأت قطيعة لا تخطئها العين بين بنيامين نتنياهو والملك عبد الله الثاني، وجدت تعبيراتها في تجميد العديد من الاتفاقيات والزيارات، رغم بقاء التنسيق الأمني كما هو، دون أي يمس بأذى، وهذه مفارقة لافتة!
ليس سرًّا أن الأردن يرتبط مع فلسطين المحتلة بأطول حدود جغرافية تجمعها مع باقي الدول العربية المجاورة، مثل لبنان وسوريا ومصر، وهذا سبب وجيه، ولعله الأخطر الذي يدفع الاحتلال لإعادة ضخ دماء جديدة في العلاقات مع عمان، نظرًا للخسائر المتوقعة التي قد يمنى بها في حال استمرت القطيعة، على مختلف الأصعدة الأمنية والعسكرية والسياسية، فضلًا عن الإستراتيجية البعيدة المدى، فعلاقاتهما تعود إلى ما يزيد على سبعين عامًا، وليس سهلًا طي صفحتها، مرة واحدة إلى الأبد، بسبب خلاف هنا وسوء فهم هناك.
صحيح أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية مرت في العقود الأخيرة ببعض المحطات السياسية والأمنية الفاصلة، لكن النظرة بعيدة المدى، وليست الآنية هي التي حكمت الجانبين، ما دفعهما عقب كل محطة إلى إعادة التموضع من جديد، والعودة إلى قواعدهما حيث كانا، من حيث التحالفات الإقليمية أو التفاهمات السياسية.
يمكن النظر إلى حقبة نتنياهو التي شهدت تدهورًا غير مسبوق في العلاقات مع المملكة على أنها شاذة واستثنائية، ولا تمثل النسق الإسرائيلي العام في النظر إلى العلاقات الإستراتيجية مع الأردن، فالرجل حكمته اعتبارات شخصية أكثر من سياسية، وتغلب لديه "الكبرياء" المكسور على المصالح الحقيقية لكيان الاحتلال، وهو ما جوبه بحملة انتقادات واسعة النطاق، لا سيما في الأوساط الأمنية والعسكرية، التي ربطها مع نظيرتها الأردنية إرث طويل من الاتصالات والتنسيق والتعاون، ولا يمكن القفز عن كل هذه الحصيلة التاريخية لسبب شخصي، مهما كان، حتى لو كان يخص رئيس الحكومة.
اليوم مع العودة التدريجية للعلاقات الأردنية الإسرائيلية، بدأنا نشهد زيارات مكوكية بين (تل أبيب) وعمان، بدءًا من أعلى المستويات السياسية والأمنية، لا سيما رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزراء الحرب والخارجية والطاقة، مع "ازدحام" الصحافة الإسرائيلية بسيل من الكتابات التي تحث على تجديد العلاقات مع المملكة، لكونها مدماكًا أساسيًّا ورئيسًا في مستقبل الأمن الإسرائيلي في المنطقة، وسط تهديدات وتحديات أمنية لا تخطئها العين، ويرى الاحتلال أن إحدى أهم وسائل التصدي لها تكمن في استكمال العلاقة مع الأردن، وتدفئتها.