تتواصل الهجمات الإسرائيلية على الأراضي والأجواء السورية بصورة متلاحقة، في عدوان بدأ منذ 2013، إبان احتدام الأوضاع الداخلية، ورغبة الاحتلال في استغلال الفوضى التي عمت لدى الجارة الشمالية بفرض مزيد من الحقائق الميدانية على الأرض، من حيث منع القوى المعادية لها من التمركز في سوريا، والحيلولة دون إنشاء جبهة عسكرية جديدة في الجولان السوري المحتل على غرار جنوب لبنان وقطاع غزة.
على الرغم من اختلاف الحكومات الإسرائيلية فإن المستويين العسكري والأمني بقيا على موقفهما، دون تغيير، باستمرار الضربات الهجومية على الأراضي السورية، بزعم استهداف القواعد العسكرية الإيرانية، وتجمع المجموعات المسلحة، وبدء العمل العسكري التدريجي من هذه الجبهة، ما قد يشكل استنزافا للخاصرة الشمالية الإسرائيلية، حتى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي بات يتحضر لما يسميه "حرب الشمال الأولى" وليس "حرب لبنان الثالثة".
يزداد العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية، كلما كان الرد السوري والإيراني متواضعا، ما يمنح الاحتلال مزيدا من الجرأة والجسارة في استمرار قصفه وهجماته الجوية باتجاه القواعد العسكرية هناك، بما فيها منظومات الدفاع الجوي، وشحنات الأسلحة القادمة من إيران باتجاه لبنان، مرورا بسوريا.
يستغل الإسرائيليون حالة التوافق والانسجام القائمة مع روسيا، من خلال إقامة جهاز التنسيق الميداني بين الجيشين الإسرائيلي والروسي، للحيلولة دون وقوع حوادث عملياتية في الأجواء السورية، كما حدث قبل عدة أعوام، وعلى الرغم مما يقال عن عدم الرضا الروسي عن استمرار العدوان الإسرائيلي في سوريا، لكن الإعلان الإعلامي شيء، والتنسيق العملياتي الحقيقي شيء آخر.
الأمريكان من جهتهم، يمنحون الإسرائيليين ضوءًا أخضر لاستمرار عدوانهم هذا، لا سيما في ظل حالة الانسحاب التدريجي الذي أظهرته القوات الأمريكية من المنطقة، وكان آخرها من أفغانستان، وقبلها في العراق، وهناك تقدير بأن يستمر هذا التوجه نحو الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا، وهذا محل قلق إسرائيلي حقيقي.
الوضع الداخلي السوري من جهته يكتسب أهمية خطيرة في استمرار العدوان الإسرائيلي على الأجواء السورية، فالنظام منشغل في ملفاته الأمنية الداخلية، ومن أجل إحكام سيطرته على الواقع الأمني، فقد يسمح ببعض التفلتات الداخلية، نحو انتشار مزيد من المجموعات المسلحة من جهة، ويغض الطرف عن مواصلة الضربات الإسرائيلية من جهة أخرى، الأمر الذي من شأنه استباحة الأجواء والأراضي السورية من أقصاها إلى أقصاها، دون ردع حقيقي.
لا يلوح في الأفق ما قد يشير إلى توقف العدوان الإسرائيلي على سوريا، على العكس من ذلك، فإن المعطيات الميدانية تتحدث عن استمرارها، ومواصلتها، في ظل الأسباب الآنفة الذكر، وهو أمر يدعو لكثير من الحزن والإحباط، ويدفع الاحتلال لتوسيع رقعة عدوانه نحو بلدان عربية وإسلامية أخرى في المنطقة.