من داخل منزله في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، خصص الستيني محمد الشنباري جزءاً من مساحة منزله، لحياكة وإنتاج الملابس للسوق المحلي، يعاونه في ذلك زوجته وأبناؤه وعدد من العمال.
يجد الشنباري، الذي كان يمتلك مصنعاً كبيراً تعرض للهدم في عدوان (2014) في موسم المدارس، فرصة للربح الجزئي، في ظل تراجع الحركة الشرائية عامة في الأسواق، ومنافسة المنتجات الأجنبية المستوردة المنتج الوطني، وارتفاع تكاليف الإنتاج.
يقول الشنباري لصحيفة "فلسطين": لقد انتهيت من إنتاج 370 "بنطلون جينز" لطلبة المرحلة الابتدائية، بعت منها 100 قطعة، وأنتظر الانتهاء من بيعها جميعها لأنتج كمية جديدة.
وأضاف: "أخبرني التجار أن الحركة الشرائية محدودة، بسبب ضعف القوة الشرائية في الأساس، وعدم تسلُّم العائلات المستورة مساعدات مالية ومخصصات الشؤون الاجتماعية، فضلاً عن ذلك، فهناك تخوف عام من تأجيل الموسم الدراسي أو الانتقال إلى التعليم الإلكتروني في ظل زيادة أعداد المصابين بفايروس كورونا".
ويصف الشنباري حال مصانع الخياطة في قطاع غزة بالمأساوي، بعد أن كانت واحدة من المصانع التي تستوعب أعدادًا كبيرة من الأيدي العاملة، وتُصدِّر الإنتاج للسوق الإسرائيلي والأسواق الخارجية.
وكان لدى الشنباري مصنع يضم 65 ماكينة خياطة حديثة، ومكاوي، ومخزنًا للأقمشة، كان ينتج نحو 500 قطعة يوميا، لكن المصنع دُمِّر في قصف إسرائيلي له خلال عدوان 2014.
ويشكو الشنباري تحوله من مُنتِج لديه فائض من المال إلى مديون عليه التزامات مالية للتجار والعمال، وخسائره في القصف تخطت مبلغ 50 ألف دولار. كما يشكو أيضاً، تقصير الجهات المسؤولة والنقابية تجاه معاناتهم، مبيناً أنهم بحاجة إلى دعم وإسناد من جانب الحكومة على الأقل في حمايتهم من المنتجات المستوردة.
وأشار إلى أنه اضطر بعد القصف إلى العمل مجدداً من داخل منزله بمعية أسرته وبالاستعانة بأفراد ممن كانوا يعملون معه في المصنع، ويعول الشنباري على أوقات الأعياد والمناسبات والموسم المدرسي في تنشيط عمله.
وقال: "إن تكلفة إنتاج البنطلون المحلي مع هامش ربح بسيط 25 شيقلا،ً والبنطلون المستورد يباع عند سعر 20 شيقلاً، وعليه سيتجه المستهلك نحو الأرخص، مبيناً أن سعر المستورد أرخص لأنه مدعوم من حكومته، وأسعار مدخلات الإنتاج من أقمشة وطاقة أقل مقارنة بأسعار مدخلات الإنتاج بغزة.
وأشار الشنباري إلى أنه في ظل إغلاق سلطات الاحتلال معبر كرم أبو سالم التجاري، ترتفع أسعار الأقمشة ومستلزمات الخياطة والتفصيل، "وهنا لا بد أن يراعي هؤلاء التجار والباعة مخافة الله، وألا يحتكروا البضاعة أو يبيعوها بأسعار مضاعفة مستغلين إغلاق المعبر، وأنه يجب أن تتدخل وزارة الاقتصاد وتعاقب مثل هؤلاء".
من جهته يعتبر الخياط أبو خالد العيلة، أن العام الدراسي فرصة للكسب في ظل تردي الوضع الاقتصادي بغزة، مشيراً إلى أن مصنعه الواقع في مدينة غزة، ينتج زي المدارس الخاصة ورياض الأطفال.
ويشارك العيلة سابقه في الحديث عن التحديات التي تواجه العاملين في مهنة الخياطة، موجهاً دعوته من أجل مساعدة الخياطين بإمدادهم بمشاريع تشغيلية تنشط الحركة الإنتاجية لديهم، ورفدهم بعمال على بند التشغيل المؤقت.
وأشار العيلة لصحيفة "فلسطين" إلى أنه يرتاد مصنعه خياطون يبحثون عن فرصة عمل لهم، وأنه على الرغم من حاجته لتوسعة نشاطه فإنه يعتذر لهم لمحدودية رأس ماله، ولكساد الأسواق.
ونبه إلى احتياجهم لدعم في الأجهزة والمعدات وماكينات الخياطة المتطورة، لمواكبة التطور في هذا المجال، وتمكين العاملين في هذه المهنة من التنقل والسفر إلى الخارج للاطلاع على كل ما هو جديد في سبيل الارتقاء بالمهنة.
ولعبت صناعة النسيج والملابس دورًا مهمًا بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني والغزي خصوصا قبل اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية في عام 2000، وقبل أن تفرض سلطات الاحتلال حصارها على غزة، فقد كانت تشغل أكثر من 36 ألف عامل من خلال 900 مصنع، وتسوق 1500 شاحنة شهريًا في أراضي الـ48، قبل أن يتراجع عدد مصانع الخياطة العاملة في غزة إلى 500 مصنع.
من جهته حث الاختصاصي الاقتصادي د. وليد الجدي، الحكومة في غزة على تقديم إعفاءات لأصحاب المصانع والوحدات الإنتاجية لمساعدتها على الصمود والاستمرار، في المقابل فرض تعليات ضريبية على المنتجات المستوردة التي لها بديل محلي.
كما دعا في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى تعديل الثقافة العامة لدى المستهلك الذي يعتقد أن المنتج الأجنبي أفضل من المحلي، وهذا يتطلب أن يقدم له سلعة ذات جودة وسعر ملائمين وتنظيم معارض تعريفية بالمنتج الوطني.
وحذر الجدي من ترك المصانع تواجه الظروف الاقتصادية والأعباء المالية المتراكمة عليها وحدها، حيث إنها ستتجه مع مرور الوقت إلى تقليل إنتاجها وصولًا إلى الإغلاق وتسريح العاملين لديها؛ ما يعني زيادة في معدلات البطالة وتراجعًا في الناتج المحلي الإجمالي.