تسبب تغافل وقصور السلطة في رام الله، وحكوماتها على مر السنوات بمعالجة الخلل في تركيبة الموازنة العامة في وجود عجز كبير للخزينة العامة، وارتفاع الدَّين العام، وقلة المشاريع التطويرية في حين أن المنح والمساعدات الدولية آخذة في التراجع.
وإزاء ذلك يؤكد اختصاصيون اقتصاديون ضرورة ضبط النفقات، ووقف التعيينات والترقيات والنثريات غير المبررة، وضبط القصور الحاصل في بيئة العمل في المؤسسات الحكومية والأجهزة الرقابية والأمنية المكلفة بتنفيذ القانون.
ودعا الاقتصاديون السلطة وحكوماتها إلى الحد من الاقتراض لأغراض تمويل نفقات جارية استهلاكية، وعدم الاقتراض بشروط صعبة وتكاليف مرتفعة، على أن تخصص القروض لمشاريع استثمارية وتطويرية ذات جدوى وعوائد قادرة على سداد أصل الدين والفوائد، أو لتطوير مشاريع البنية التحتية لتحفيز الاستثمارات الخاصة التي تعمل على زيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد خاصة في القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية.
وكانت وزارة المالية في رام الله صرحت مؤخراً، بأن العجز في الموازنة العامة بلغ للنصف الأول من العام الجاري (470) مليون دولار، في حين أن دين الحكومة من البنوك تخطى مبلغ (2.3) مليار دولار، والدين الخارجي (1.3) مليار دولار.
الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة التابع للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة– "أمان"، أكد أن هناك تفاقماً كبيرًا في العجز المالي في ظل محدودية الإيرادات وزيادة النفقات التي ترتفع كثيرًا، إضافة إلى وجود تسرب واضح بها. محذرا من أنه إذا لم تكن هناك خطوات جديدة من جانب السلطة تؤدي لإنهاء الاقتطاعات الإسرائيلية غير القانونية والجائرة فإن الأزمة المالية للسلطة ستطول، داعياً إلى خطة واضحة لضبط النفقات ووقف التعينات والترقيات والنثريات غير المبررة.
ورأى الفريق الأهلي في ورقة بحثية، أن أحد أهم أسباب العجز في الموازنة تكمن أولا في قنوات التسرب المالي (الخسائر التي تتكبدها الخزينة العامة بفعل قرصنة الاحتلال الأموال الفلسطينية؛ سواء بسبب البنود المجحفة في الاتفاقيات "بروتوكول باريس" أم بسبب عدم التزام الاحتلال الإسرائيلي بها).
وأشار الفريق الأهلي إلى عجز السلطة عن معالجة ظاهرة التهرب الضريبي والتسرب المالي، وقصور منظومة التشريعات المطبقة، في معالجة أسباب التسرب المالي، في حين أن العقوبات التي اشتملتها تلك القوانين بحق المخالفين غير رادعة.
ونبه إلى أن بيئة العمل في المؤسسات والأجهزة الرقابية والأمنية المكلفة بتطبيق القانون، تبدو غير ملائمة ومحدودة الفعالية، في محاربة التسرب المالي، بسبب عدم حشد الموارد البشرية واللوجستية الضرورية، التي تُعد متطلبات وشروطا مهمة وأساسية في مجابهة ظاهرة التسرب المالي، والقنوات والأنشطة المؤدية لاستمرار هذه الظاهرة وتفاقمها.
غياب مناقشة الموازنة
الاختصاصي الاقتصادي د. نور الدين أبو الرب، قال إن الخلل في تركيبة الموازنة العامة، يحدث حينما لا تناقش الموازنة من جانب المجلس التشريعي، ولا يشارك المجتمع المدني في الاطلاع عليها وإبداء رأيه فيها.
وأوضح أبو الرب لصحيفة" فلسطين" أن توزيع الموازنة بين القطاعات المختلفة غير سليم، إذ إن قطاع الأمن يحظى بالنصيب الأكبر، في حين أن القطاعات الإنتاجية والاقتصادية مخصصاتها محدودة جداً، وهو ما تسبب في ضعف الاقتصاد.
من جانبه قال الاختصاصي الاقتصادي د. معين رجب إن الوضع المثالي لأي موازنة عامة ينبغي فيه أن تتساوى الإيرادات العامة مع جانب النفقات، ففي حال كانت النفقات أكثر من الإيرادات يحدث عجز مالي، وفي حال كانت الإيرادات أكثر من النفقات يتحقق الفائض المالي.
وأضاف رجب في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن البنود التي تنص عليها الموازنة يجب دراستها قبل ستة أشهر من بداية العام حتى يتم الالتزام بالموازنة في موعدها دون أن يترتب على ذلك أي تأخير على الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين.
وبين أن الخلل في الموازنة العامة يرجع إلى المبالغة في البدلات والنثريات لكبار العاملين والموظفين، والفساد والاختلاسات والمخالفات.
وأكد رجب أهمية الحساب الختامي والإعلان عنه في نهاية كل عام، مبيناً أن الحساب الختامي يقارن بين الموازنة الفعلية مع الموازنة التقديرية للتأكد إن كان لدينا فائض أم عجز، وعما إذا كانت التوقعات قريبة من الواقع أم لا.
وحسب تصريحات لحكومة رام الله، يجمد الاحتلال (51) مليون شيقل شهرياً من مخصصات الأسرى، أي ما قيمته (612) مليون شيقل سنوياً، ويحتجز (851) مليون شيقل منذ عام 2019 حتى تموز 2021 .
وجدد الاختصاصي الاقتصادي د. نصر عبد الكريم، دعوته لضرورة ترشيد السلطة نفقاتها واتباع سياسة التقشف دون المس بالشرائح المهمشة وعمل ما يسمى بـ"القاعدة الضريبية الأفقية"، ما يتطلب حث الناس على تسديد ما عليها، وتأجيل الإعفاءات، وتكون أكثر عدل، وسط تفاهم مع القطاع الخاص والنقابات.