فلسطين أون لاين

المسعف "أنس" وإنقاذ جرحى العدوان.. مهمة محفوفة بالمخاطر

...
أثناء إسعاف جريح
غزة/ ريما عبد القادر:

بمجرد أن تلقى المسعف في جهاز الدفاع المدني أنس ديب تعليمات بالتوجه مع زملائه لشارع الشعف بمدينة غزة؛ توجه بسرعة لإنقاذ المصابين.

وحينما وصل إلى المكان المحدد له وبمجرد أن نزل من سيارة الإسعاف حتى ينقذ من في السيارة كانت المفاجأة الكبرى له، حينما رأى زميله هو المستهدف وقد استشهد، ما أصابه بذهول وصدمة ماذا يفعل؟ لكن سرعان ما تغلب على مشاعره حينما وجد طفلة زميله جريحة وما زالت أنفاسها تأخذ بالشهيق والزفير فأسعفها.

من الصعب على ديب (٣٦ عامًا) أن ينسى هذا المشهد، خاصة أن زميله الشهيد عز الدين اشترك معه في كثير من المواقف الجميلة التي ربطته به منذ سنوات.

ويقول ديب وهو يأخذ نفسًا عميقًا يحمل زفراته الكثير من الوجع الذي كان يحمله في قلبه: "حينما نوديت للإنقاذ لم أفكر بأي شيء إلا الوصول للمكان، فعملي كل دقيقة فيه محسوبة وتفصل بين الحياة والموت".

ويتابع لصحيفة "فلسطين": "من المواقف الصعبة حينما تجد من تريد إنقاذه قريبك أو صديقك، وإني أنظر إلى كل أبناء غزة أنهم أهلي؛ فهذا الذي يقودني لسرعة الحركة، وإن كان جسدي في غاية التعب؛ ففي العدوانات لا أفكر بنفسي؛ فلا وقت لدي للتفكير، لا بد أن أكون دائمًا جاهزًا لأي إشارة بالمكان الذي أتوجه إليه".

ومن المواقف التي ما زالت عالقة لديه وأعطت نفسه فرحًا وأعادت النشاط إليه حينما أبلغ بالتوجه إلى حي الشجاعية بمدينة غزة، حيث قصف منزل.

وأخذ يبحث رغم القصف، وكان يدرك جيدًا أن كل خطوة يتحرك بها إلى داخل البيت المقصوف في غاية الخطر، لكنه لم يفكر بنفسه، إنما إنقاذ من كان على قيد الحياة.

"كنت أبحث عن أحياء، لكن لم أجد، وبمجرد أن سمعت صوتًا خافتًا كان لرجل يطلب المساعدة شعرت بالسعادة لإنقاذه وأنه لا يزال على قيد الحياة، فأسرعت واحتضنته لمساعدته وانتشاله من تحت الركام" يواصل كلامه.

ويوضح أنه كلما أنقذ إنسانًا كان ذلك كالبلسم يزيل كل أوجاعه وتعبه، الأمر الذي يزيده طاقة لمواصلة العمل.

ويبين أنه كان يعمل مع زملائه ساعات طويلة متواصلة، لذا استلقى على الرصيف ليرتاح جسده ولو دقائق معدودة، سرعان ما قطعها تبليغه بالتوجه إلى منطقة قصفها المحتل.

تشتت العائلة

وكان ديب كلما سمع صوت الصواريخ وضع يديه على قلبه وهو يردد: "يا رب سلم"، خاصة أنه لم يستطع رؤية عائلته لانشغاله الشديد بانتشال الجثامين وإنقاذ الجرحى من تحت الركام.

ويذكر أن عائلته أخلت المنزل، فالمنطقة التي تسكن فيها استهدفت، وأخليت العديد من المنازل ومنها منزله.

ويضيف: "كان والدي يسكن في مكان وزوجتي والأولاد في مكان آخر، فكنت في الدقائق المعدودة جدًّا تارة أتصل بوالدي لأطمئن عليه وتارة أتصل بزوجتي وأولادي".

ويكمل بعد أن انخفضت نبرات صوته: "كنت أحاول قدر المستطاع أن أتغلب على مشاعري الأبوية، رغم أن الأمر صعب جدًّا؛ فأنا إنسان وأشتاق لأطفالي مالك ومجد وليلى، وأخشى عليهم القصف كما أخشى على زوجتي ووالدي، لكن أتغلب على هذا الشعور، خاصة حينما أنقذ إنسانًا بعد أن أنتشله من تحت الركام".

ويلفت إلى أن جميع أطفال غزة هم أطفاله، الأمر الذي يجعله لا يتردد في الإسعاف، وإن عرض حياته للخطر.

ويذكر أن من المخاطر التي واجهها عندما استهدفت المصانع في شارع صلاح الدين وأصيب عدد من المواطنين، وانقطعت أسلاك الكهرباء وسقطت على الأرض، وبات كل من يقترب منها مهددًا بالصعق.

لكنه يقول: "رغم ذلك جازفت أنا والزملاء بأنفسنا وخاطرنا، فكان نداء الاستغاثة أهم عندنا من أنفسنا".

وفي إحدى مرات الإنقاذ قصف المكان الذي كان فيه قصفًا شديدًا، وأصيب بالنزف وفقدان للسمع بإحدى أذنيه، ومع ذلك لم يفكر -ولو لحظة واحدة- أن يترك عمله أو يتثاقل في مواصلة الإنقاذ.

ويؤكد أن كل الذي يشغله في العمل هو إنقاذ المصابين؛ فالسرعة مهمة جدًّا، ويحاول قدر المستطاع أن يجعل كل فكره هو الإنقاذ ولا يفكر بشيء آخر حتى لا يثقل خطواته بالعمل، ويشغل باله في شيء آخر، فيمضي الوقت سريعًا، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة في عدد المصابين وتعريض حياتهم لخطر أكبر؛ فهو يدرك أن الثانية محسوبة عليه، وأي تأخير سيقابله الكثير من المخاطر على حياة من قصفت بيوتهم فوق رؤوسهم.

ومن المواقف كذلك كانت مداواته لكلب أصيب في العدوان، فعمل على تضميد جرحه وإسعافه؛ فهو يجد أن كل كائن حي يستطيع إنقاذه لا بد أن يساعده.