فلسطين أون لاين

سقوط الديون في القضاء لا يبرئ الذمة في الشرع

أحكام شرعية في الديون وسنداتها المفقودة بسبب قصف محالٍ تجارية

...
صورة تعبيرية عن القضاء
ريما عبدالقادر

كل شيء في قطاع غزة كان مستهدفًا بصواريخ الاحتلال بما في ذلك البيوت والشركات والمحلات التجارية وهذا أدى إلى حرق دفاتر وسندات وديون كانت تُحفظ بها لإثبات الحقوق، وأصبح البعض لا يملك شيئًا يثبت أنه صاحب حق لدى غيره، أو حتى الموطنين الذين فقدوا أوراق الملكية والبيع والشراء وغيرها من الإثباتات التي تؤكد حقوقهم.

فما موقف الشرع من ذلك وكيف يمكن إثبات الحقوق إذا فُقدت الأوراق التي تؤكدها، وهل ما يسقط في القضاء يسقط ديانة؟

يقول الله تعالى في الديون بآية صريحة وواضحة ومفصلة والتي تعد أطول آية في القرآن الكريم لأهميتها وهي تتعلق في المعاملات بين الخلق، حفاظًا على حقوق الآخرين من الضياع فقد حرصت الشريعة الإسلامية أشد الحرص حماية حقوق العباد: "يَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا..."(البقرة:282).

وتثبت الحقوق في الشريعة الإسلامية بأكثر من وسيلة ومنها الإقرار والذي يعد أقوى وسائل الإثبات وأشدها إذ يعتبر سيد الأدلة وهو أن يعترف الإنسان على نفسه بما لغيره من حقوق عليه إذ يقول الأكاديمي والباحث المتخصص في مجال الفقه الإسلامي المقارن د.سالم أبو مخدة: "الحقوق لا بد من إثباتها وفق الطرق الرسمية وهي الإقرار أو الشهادة أو الكتابة، فإن أقر من عليه الدين بمقدار ما عليه فهذا شيء محمود وأجره عظيم عند الله تعالى لصدقه في المعاملة وأداء الحقوق لأصحابها والتحلل منها قبل أن يكون لا تحلل إلا بتبادل الحسنات والسيئات".

وردًّا على سؤال مراسلة صحيفة "فلسطين"، أنه إذا لم يُقر شخص بوجود حق عنده على غيره؟ يجيب: "إن عجز صاحب الحق عن إثبات حقه بالإقرار، فلينظر إلى الوسيلة الثانية في إثبات حقه وهي الشهادة من خلال وجود شهود على هذا الحق لدى شخص معين، أو من خلال وجود دفتر البيع أو الأوراق التي تؤكد حق إن تواجدت".

عاقبة إنكار الحق

وحول الطريقة المناسبة التي يتخذها صاحب الحق إذا لم يجد ما يثبت حقه من خلال ما سبق، يبين بالقول: "في هذه الحالة نلجأ إلى اليمين على المنكر فإن حلف من عليه الحق اليمين بأنه لا شيء عليه فهنا يسقط الحق عنه قضاء فقط لا ديانة".

وعن الذي يترتب من سقوط الحق في القضاء-المحكمة- لا ديانة يتابع حديثه: "في هذه الحالة لا تبرأ ذمته أمام الله تعالى وحينئذ يؤخذ من حسناته فإن فنيت الحسنات أخذ من سيئات صاحب الحق فقذفت على سيئاته ثم ألقي في النار والعياذ بالله تعالى".

ويردف:" إذا سقط الحق قضاء فلا يسقط ديانة ويخشى المنكر من عواقب ذلك في الدنيا قبل الآخرة، وخاصة أن صاحب الدين قد تعرض للدمار وضياع الأموال فالأصل يقوم من عليه الدين بالمبادرة بسداد ما عليه من ديون ليتحلل منها وليساهم في قيام التاجر على قدميه من جديد".

وهذه رسالة مهمة لكل شخص يعلم أن عنده حق لغيره فمهما تبعثرت الأوراق من جراء القصف أو غيره فإن هذه الحقوق لا تضيع عند الله تعالى، فكن أنت المبادر في الإقرار بما عليك من حقوق لدى الآخرين حتى تكون لهم عون على ما أصابهم وتخفف من معاناتهم، وإن كنت قادرًا على أن تسد هذه الديون فأسرع بذلك خاصة أن أصحاب المصانع والشركات والمحلات التجارية التي قصفت لقد ارتفعت خسائرها فكن أنت من يخفف هذه المعاناة، وإن لم تستطِع أن تسد ما عليك من دين في هذه الظروف فأخبر صاحبها حتى تطمئن نفسه فكل ذلك له أجر عظيم عند الله تعالى.