"والله لأضربنَّ ملوك العجم بملوك العرب" عمر بن الخطاب
لم تكن القادسية أول اللقاءات الحربية الضخمة بين المسلمين والإمبراطورية الساسانية (الفرس)، ولكنها كانت من أهم الوقائع بينهما، التي غيرت من خريطة الأرض ومجرى التاريخ ومراكز القوى، رغم أن الفرس استخدموا فيها الفيلة التي تُرعب البشر، وتُفزع الخيول والإبل التي لم تتعوَّد رؤيتها.
الزمان: عام 15ه.
المكان: منطقة القادسية في العراق.
أطراف الصراع: المسلمون بقيادة سعد بن أبي وقاص في أكثر من ثلاثين ألف مقاتل، والإمبراطورية الفارسية بقيادة رستم ومعه أكثر من مائة وعشرين ألفًا يرافقهم ثلاثة وثلاثون فيلًا.
مجريات الأحداث:
هُزم الفرس في العديد من المعارك في العراق -وآخرها البويب- هزيمة نكراء، ولكنهم استمروا في السيطرة على البلاد سياسيًّا وعسكريًّا، فتطلَّع المسلمون إلى لقاء عسكري فاصل يُنهي وجودهم في العراق وينشر الإسلام فيها.
نُصِّب يزدجرد بن كسرى مَلكًا على بلاد فارس ليعيد للفرس هيبتهم التي داسها المسلمون بعد هزائمهم المتلاحقة أمامهم، وكانت انتصارات المسلمين السابقة قد أضعفت الفرس وأخافتهم رغم تظاهرهم بالجلد، وأنقصت جيوشهم بشكل لافت، تسابق القادة والرؤساء في طاعة يزدجرد، واجتمع الجند تحت رايته للحفاظ على الإمبراطورية الفارسية والقضاء على المدِّ الإسلامي المؤرق.
في سنة 14هـ ولَّى عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص قيادة جيش العراق، وسيَّره في أربعة آلاف مجاهد لقتال الفرس، وأرسل إلى المثنَّى لينضمَّ إليه، وحشد الخطاب لهذه المعركة كل طاقات المسلمين، حتى إنه سمح لأهل الردَّة الذين تابوا بالمشاركة في هذه المعركة، بعد أن مُنعوا من المشاركة في الفتوحات سابقًا، حتى أصبح المدد يأتي سعدًا من كل حدب وصوب.
عسكر جيش المسلمين بالقرب من القادسيّة في العراق، وانتظروا ما يقارب شهرًا دون أن يُطل جيش الفرس حتى ظنَّ المسلمون أنه لن يكون هناك قتال، حتى أطل جيش الفرس من نهر العتيق (أحد فروع الفرات) وعسكروا قبالة المسلمين على حافة النهر.
وكان سعد بن أبي وقاص قد مرض مرضًا شديدًا فلم يعد يقوَ على المشي أو الجلوس، فاتخذ من أعلى قمة قصر قديس مكانًا للقيادة، ونام على صدره ووضع وسادة تحته، وبدأ إدارة المعركة عبر رسائل يرسلها لخالد بن عرفطة الذي أمَّره على الجيوش.
في يوم المعركة قبل التحام الجيوش صلى خالد بن عرفطة بالناس صلاة الحرب، وتعجب رستم قائلًا: "عجيب أمر هؤلاء الناس، حتى وَهُمْ في ميدان المعركة حريصون على الصلاة!"، وأَمر سعد القرَّاء بقراءة سورة الأنفال، وخطب في الناس من أعلى القصر، وكبَّر سعد بن أبي وقاص تكبيرات مجلجلة إيذانًا ببدء المعركة، اهتزت قلوب الفرس لها، تبعها مبارزات حامية الوطيس، كتب الله بها النصر لفرسان المسلمين، وثبتهم الله وربط على قلوبهم، وألقى الرعب في قلوب الفرس.
استمرت المعارك أربعة أيام شاركت فيها الفيلة وقاتل المسلمون قتال الأبطال رغم قسوة المعركة وشراستها وضخامة عدد جيش الفرس، وثبتوا بشق الأنفس حتى مالت كفة المعركة إلى جهتهم، وفي آخر يوم قبل انتهاء القتال في وقتُ الزوال هبَّتْ رِيح شديدة، قلعت خيمة رستم وألقت بها في النهر، وتقدَّم القعقاع ومَن معه حتى وصلوا إلى سرير رستم، فهرب منهم ورمى نفسه في نهر العتيق، ولحق به هلال بن علقمة وسحبَه وقتله، وصرخ صرخته المشهورة: "قتلتُ رُستُمَ وربِّ الكعبة".
انسحب الفرس نحو النهر ولحق بهم المسلمون بالرماح والنبل، وقتلوا قادة الجند وشتتوا فلولهم.
انتهتْ المعركة بعدَ قتال شديد، دام أربعةَ أيام وثلاثَ ليالٍ بنصرٍ حاسم للمسلمين، ترتَّب عليه نتائج مهمَّة أثرت في مجريات الأحداث السياسية والعسكرية بالمنطقة، وسَيْر الدعوة الإسلامية فيها.