بالأمس حضر خضر ونادية ابنا عمي لزيارتنا والبقاء معنا ليومين.. سررت جدًّا بهما، لعبنا كثيرًا، وقصت علينا نادية قصصًا مسلية عن وحوش الظلام، وصنعت لنا جدتي فطائر وحلوى لذيذة استمتعنا جدًّا بتناولها.
سهرنا حتى منتصف الليل رغم معارضة جدتي.. نمتُ برفقة خضر في غرفتي، ونامتْ نادية مع جدتي في غرفتها. لا أدري كم مرَّ عليَّ من الوقت نائمًا عندما استيقظت أرتعد خوفًا.. نظرتُ حولي، كان وحوش الظلام يتقافزون حول سريري واحدٌ منهم جذب الغطاء عني وأوقعه أرضًا، وآخر جلس فوق كتبي على الطاولة، وأحدهم جلس فوق الكرسي يكشر عن أنيابه ويهز ذيله باستفزاز، اقترب وحش مني حتى أصبح فوق سريري، صرخت بهلع أنادي جدتي التي أسرعت إليَّ، ضمتني إليها، قبَّلتني وهي تمسح رأسي وتقول: بسم الله بسم الله، ما بك يا حبيبي؟
قلت باكيًا مرتجفًا: الوحوش يا جدتي..
قالت بهدوء وحب: أين هي الوحوش يا حبيبي؟
قلت: انظري هناك.. إنها هربت واختبأت تحت السرير وداخل الخزانة عندما أتيتِ وأشعلتِ المصباح!
نهضت جدتي وفتحت الخزانة وهي تقول: أين هي الوحوش؟
ثم انحنتْ أسفل السرير وقالت: لا أرى وحوشًا!! أين ذهبت يا تُرى؟
عادت إليَّ واحتضنتني قائلة: لا تقلق حبيبي.. سأحكي لك قصة لتهدأ وتنام.. ولكن قبل ذلك ضع رأسك على الوسادة.. ثم وضعتِ الغطاء فوقي، وعدلتْ جلستها وقالت:
كان ياما كان في قديم الزمان كان هناك ثماني قرى بُنيت أمام غابة فيها أشجار ضخمة وأعشاب كثيفة وحيوانات من كل صنف ولون.. يعيش أهل هذه القرى على اصطياد الحيوانات التي يذهبون بها إلى المدينة؛ لبيع جلودها وقرونها ولحومها وصغارها... ولكن ازداد طمع الصيادين مع مرور الوقت، وأصبحت رصاصاتهم لا تستثني حيوانًا، أصبحوا يقتلون الإناث الحوامل، والفراخ الصغيرة، وحتى العجائز من الحيوانات. أما الأشجار الضخمة فيقطعونها ويبيعون أخشابها، وكثيرًا ما كانوا يضرمون النار في الأعشاب الجافة ليتمكنوا من شقِّ الطرق داخل الغابة، فتمتد النار أحيانًا وتلتهم الأشجار وتنتشر لمسافات شاسعة وتبقى مشتعلة لعدة أيام حتى تقضي على أجزاءٍ كبيرة من الغابة..
يعيش في وسط الغاب قبيلة من مخلوقات تشبه البشر ولكن لونهم أخضر، الفرد الواحد منهم بحجم إبهام الرجل البالغ، يُطلقون على أنفسهم اسم" الخضائر"، يأكلون الثمار ويشربون الحليب والألبان، ويبنون بيوتهم في تجاويف الأشجار.
لم يعد الخضائر يحتملون سلوكيات سكان القرى المحيطة الأنانية والمؤذية للمخلوقات الأخرى.. عقدوا اجتماعًا وقرروا وضع حدٍ لما يجري..
وفي صباح اليوم التالي، اختفى كل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ستة أعوام من القرى الثماني.. اضطربت القرى، وبكت الأمهات، وخرج الآباء يبحثون عن أبنائهم، وعمَّ الرعب في كل مكان.. بعد أسبوع من البحث المضني بلا فائدة عثر صياد من إحدى القرى على رسالة كُتب فيها: هل تريدون لأطفالكم أن يعودوا إليكم؟ فكروا ببقية المخلوقات التي تعيش حولكم، الغابة وسكانها في خطر عظيم بسبب ممارساتكم!
انتهت الرسالة..
اجتمع أهل القرى وتدارسوا محتوى الرسالة.
قال الحكيم: خلق الله الأرض وخيراتها ليستفيد منها البشر، ولكن عليهم أن يأخذوا حاجتهم منها دون إسراف ويحافظوا على بقاء المخلوقات الأخرى، وإلا فإن بقاء البشر سيتعرض للخطر أيضًا..
بينما جدتي تحكي، غلبني النعاس وغرقت في نوم عميق..
وجدت نفسي أتجول في الغابة وأبحث عن الخضائر حتى عثرت عليهم.. لعبت معهم ورافقتهم في السباحة في النهر وتعلمت الحديث بلغتهم وعملت معهم على حماية الغابة ومخلوقاتها..
استيقظت في الصباح وأنا أُفكر بمصير أطفال القرى الذين سمعت ضحكاتهم أمس في قرية الخضائر.