فلسطين أون لاين

هاموا شوقًا "للأقصى".. رحالة الدُّجى يتسابقون إلى رحابه

...
مجموعة من الأهالي المشاركين في المشروع (صورة أرشيفية)
القدس المحتلة/ أسماء صرصور:

تعالت ضحكاتها فرحًا وهي تخبر بعمرها، ومع ذلك فإن جسدها ما يزال يطاوع روحها وحبها للمسجد الأقصى لتشد الرحال له مرة على الأقل أسبوعيًا، إن لم يكن مرتين: "عمري (87 عامًا)، وأزور الأقصى منذ ما يزيد على عشرين عامًا".

فالحاجة منى عياشي أبو الهيجاء من مدينة طمرة الواقعة في الجليل الغربي في الأراضي المحتلة 1948، تتكئ على عكازها، أو على ذراعي ولدها أحمد حتى تصل إلى باحات المسجد الأقصى، بعد رحلة بالحافلة من مدينتها تستغرق عادةً ساعتين.

أبو الهيجاء تزور المدينة المقدسة ضمن مشروع "قوافل الأقصى" الذي أطلقته جمعية الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات الإسلامية قبل نحو عشرون عامًا.

ويقول أحمد أبو الهيجاء (54 عامًا) –ابن الحاجة منى- والمسؤول عن تسيير الحافلات من طمرة إلى الأقصى: إن والدته تستثمر وقت رحلة الوصول بالتسبيح وذكر الله وقراءة القرآن الكريم وتناول وجبة الإفطار.

وتنطلق من طمرة أربع حافلات أسبوعيًا باتجاه القدس المحتلة تحمل مواطني المدينة، حافلة يوم الثلاثاء، وأخرى يوم الجمعة، وحافلتان ليوم السبت الأولى تخرج بحمولتها لأداء صلاة الفجر، والثانية بعد صلاة الظهر حيث يبقى روادها لأداء صلوات العصر والمغرب والعشاء ومن ثم تعود.

وبالإضافة إلى الرحالات الأسبوعية، تنطلق شهريًا رحلة مبيت مدتها ثلاثة أيام تبدأ من صباح يوم الخميس وتنتهي مساء السبت، ويمكث فيها المرتحلون في فندق ويؤدون صلواتهم في المسجد الأقصى ويزورون أسواق القدس ويدعمون تجارها.

بالعودة إلى الحاجة أبو الهيجاء، تقول بذات الصوت الضاحك لـصحيفة "فلسطين": "يا بنتي الأقصى حبيناه وعشقنا وبدنا نضل نروح عليه، والأقصى النا ولكل المسلمين، وما حد إله فيه غيرنا"، متحدثة عن مسجد قبة الصخرة المشرفة، أكثر المواقع حبًا لقلبها في باحات الأقصى حيث تحب أن تؤدي صلواتها.

ولكن هل يمكن للبكاء والضحك أن يعبّرا معًا عن ذات الشعور؟!، نعم، فالحاجة منى ضحكت حبًا للأقصى، لكن الشاب صلاح بسيمي (18 عامًا) بكى من فرط حبه للمسجد الذي تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي السيطرة عليه.

وبسيمي من قرية جلجولية الواقعة في المثلث الجنوبي في الأراضي المحتلة 1948، أتم الثانوية العامة قبل أشهر عدة، ورحلته مع شد الرحال إلى المسجد الأقصى ضمن مشروع القوافل بدأت منذ سبع سنوات تقريبًا؛ أي أنه بدأها طفلاً وما يزال يعاهد نفسه ليستمر على طريق شد الرحال.

ويواظب بسيمي أسبوعيًا على أداء صلاة فجر يوم الجمعة في باحات الأقصى، ويقضي ليلته متشوقًا بانتظار تجمع المرتحلون في مسجد البخاري بقريته في رحلة مدتها أربعون دقيقة.

ما أن يدخل بسيمي المسجد الأقصى حتى يتوضأ ويتوجه للصلاة في المسجد القبلي مؤديًا ركعتي تحية المسجد ومن بعدها صلاة الفجر –سابقًا- أما الآن فيصل في مصلى باب الرحمة، "لذا فكثير من الراحة النفسية تغمري حين أختم أسبوعي في هذه البقعة المقدسة"، يقول الشاب بسيمي لصحيفة "فلسطين".

مشاعر مختلطة انتابت بسيمي وهو يحاول جاهدًا التماسك بينما يصف كيف يجهز مع بعض الشباب طعام الإفطار عند باب الأسباط بعد أداء صلاة الفجر لإطعام أهل القرية قبيل العودة مجددًا، واضعًا نصب عينيه شراء طعام الإفطار من أسواق القدس ليقدم دعمًا اقتصاديًا ولو كان بسيطًا لأصحابها.

بدوره، يقول مؤسس جمعية الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات الإسلامية ورئيسها الأول الشيخ كامل ريان: إن مشروع قوافل الأقصى يكمل عامه العشرين بعد إطلاقه في أوائل عام 2001 من مدن وقرى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 من المثلث والنقب والجليل والمدن الساحلية (يافا، عكا، حيفا، الرملة، اللد).

ويشير ريان في حديثه لـ"فلسطين" إلى أن المشروع يهدف لربط المسلمين بالمسجد الأقصى وبإخوانهم المقدسيين ودعم أسواق المدينة المقدسة، مؤكدًا أن ذلك يأتي من باب الدعم والمؤازرة لعدم ترك القدس وأهلها منفردين بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.

ويلفت إلى أن سلطات الاحتلال حاولت مرات عدة منع حافلات القوافل من بلوغ القدس والمسجد الأقصى، إما بوضع الحواجز في داخل المدينة، أو على مداخل قرى ومدن الأراضي المحتلة لمنع خروج الحافلات، وإعادة الفلسطينيين من حيث أتوا.

ويشدد ريان على أنه شخصيًا يؤمن أن الوجود البشري في داخل المسجد الأقصى هو أفضل سلاح للمسلمين لحمايته؛ لمواجهة الطلب المستمر من المستوطنين اليهود "المتدينين" لدخول ساحات المسجد الأقصى والصلاة فيه.

ويوضح أن جمعية الأقصى تُسيّر ما معدله 200 حافلة شهريًا، خلافًا لتلك التي تسيرها في شهر رمضان المبارك بواقع 1500 حافلة، مبينًا أن مجموع الحافلات المسيرة في عام 2019 بلغ قرابة 4000 حافلة، تقل حوالي 200 ألف معتكف.

ويؤكد مؤسس جمعية الأقصى أن هذا المشروع يساهم في إنعاش الاقتصاد المقدسي بنحو 6 ملايين شيقل لاسيما المحال التجارية في البلدة القديمة التي تعاني من مضايقات إسرائيلية وممارسات تعسفية ضد أصحابها.