نسبت الإذاعة الأمريكية لماهر مروان محافظ دمشق الجديد، تصريحات قالت إنه أدلى بها لها، قال فيها:
1. إنهم ليسوا قلقين بشأن إسرائيل.
2. وإن إسرائيل ليست هي المشكلة.
3. وأنهم ليسوا خصومًا.
4. وأنّ إسرائيل قصفت قليلاً، توغلت قليلاً، هذا القلق طبيعي.
وهي تصريحات لا تبعتد عن تصريحات سابقة في مواقف مختلفة لأحمد الشرع (الجولاني سابقًا) مفادها أنّ المشكلة في استغلال إيران للقضية الفلسطينية، وأنّهم، أيّ الحكام الجدد ليسوا في وارد الاعتداء على إسرائيل. ولكن تصريحات ماهر مروان أكثر وضوحًا وصراحة لا في خطب ودّ أمريكا من خلال نفي العداء مع إسرائيل، ولكن في تفهم العدوان الإسرائيلي، وهذا من أعجب ما يكون، وذلك على فرض دقة الترجمة الإنجليزية لتصريحاته.
ليست القضية في نقد مثل هذه التصريحات هي مطالبة الحكام الجدد أو السوريين بفعل أيّ شيء ضدّ إسرائيل أو لأجل الفلسطينيين، ليس فقط من جهة طبيعة المرحلة الانتقالية وظروف سوريا وحاجة البلد إلى الاستقرار وقطع السبل على أيّ تدخلات تخريبية (وهو أمر لا نقبله فحسب بل ندعمه وندافع عنه)، ولكن أيضًا لفهمنا وإدراكنا لطبيعة الخطابات المتحفزة بخصوص فلسطين والتي تحوّلت إلى ظاهرة نسبية في بعض الأوساط في الثورة السورية. والحقيقة أنّ الذي يبالغ في توقعاته من مآلات الحالة السورية بخصوص فلسطين هم بعض الإسلاميين الذين يتوهمون مُضمرًا ذكيًا يخدع العالم فيلتمسون التأويل لكلّ من يرفع راية "لا إله إلا الله"، ويتوقعون منه تحرير فلسطين نهاية الأمر! وأنا لستُ من هؤلاء.
ولكن النقد يأتي من الحيثيات التالية:
1. أنّ خطب الودّ وشراء الوقت وتجنب المعارك الخاسرة وطلب الاستقرار، لا يحتاج تفهّم عدوان الآخرين على الحقوق. قد يكون هذا التصريح أغرب ما يمكن أن يقوله سياسي! من هذا الذي يتفهم احتلال الآخرين لأرضه لأنهم قلقوا قليلاً؟! وكأنّ قلقهم مبرر وكأن فعلهم المدفوع بقلقهم متفهم!!
2. هذا التفهم يمكن أن يرتدّ على صاحبه، فلماذا قلق طبيعي وآخر غير طبيعي؟! ولماذا عدوان متفهم وآخر غير متفهم؟! وهذا التفهم من شأنه أن يؤسس لما هو أكبر، فمن تفهم احتلال إسرائيل لأرضه لأنها قلقت قليلاً، قد يتفهم ضمّها لأرضه لأنها قلقت كثيرًا!
3. خطاب الطمأنة لا ينبغي أن يخلو من سمات القوّة، فلما سُئِل الشرع من مذيع BBC عن احتمال صدامهم بإسرائيل، قال إنهم ليسوا في وارد الاعتداء على أحد، لكنه لم يخطر على باله القول: "إنّ إسرائيل هي التي تعتدي على الأراضي السورية، ومع ذلك فهم ليسوا في وارد الصدام". حتى التنويه إلى كون إسرائيل هي المعتدية لم يخطر على باله! وفي مرات أخرى وصف الاحتلال الإسرائيلي بـ "التقدم" وكأنها تتقدم في أرضها أو في الفراغ!
4. والحاصل أنّ الغلوّ في التودّد ونفي العداء، يغري بالمزيد من الابتزاز، والتوسط في ذلك ممكن. يمكن القول مثلاً إنهم في صدد بناء دولتهم ولن يدخلوا في مواجهة مع أيّ أحد. والاكتفاء بذلك! ويمكنهم ألا يشيروا إلى عدوان إسرائيل حتى! لكن تفهم احتلالها للأرض؟! حتى الدول المطبعة والأوثق علاقة بإسرائيل تدين عدوانها ولا تقول إنه لا مشكلة فيها أو معها!
5. نفي القلق من إسرائيل والنفي المسبق لكونها خصمًا أو مشكلة، هو انفصال عن الواقع الراهن. لما سلف قوله. من هذا الذي يقوله إن احتلال دولة أخرى لأراضيه ليس مشكلة ولا يخلق خصومة؟ ألم يُتهم حافظ الأسد ببيع الجولان؟! ويتهم ابنه أن إسرائيل من ثبتته في وجه الثورة؟! فهل بات بيع الجولان مقبولاً؟! ولم تعد إسرائيل مشكلة وقد أطالت معاناة السوريين 14 سنة بعد الثورة؟! فإن قصد أن الموقف المبدئي منها ليس العداء حتى لو بادرت هي بالعداء، فهو كلام مجانيّ مستعجل وينمّ عن غفلة تامّة بمعنى الوجود الإسرائيلي في المنطقة. فلا أحد يضمن السلوك الإسرائيلي غدًا بخصوص سوريا.
6. نقد مثل هذه التصريحات هو نقد لمعطى ملموس، ولا ينجم عن سوء ظن في مقابل حسن ظن من يتأول لمن يحبهم كلّ شيء. ونقد التصريحات المنفلتة من أيّ كابح هو نصح ومحاولة لتحسينها، وليس اتهامًا.
وبنحو مكرر، سيبقى يتكرر، ليس القصد الدعوة لتصريحات أكثر حدة، ولا لمواجهة مع إسرائيل. على الأقلّ هذا ليس في واردي أنا.