لو درسنا حالة الفصائل الفلسطينية لوجدنا العلاقة التي تحكمها غير مبنية على المبادئ الصرفة وإنما هناك محاولات لخلق حالة من التوافق الممكن ضمن القواسم المشتركة، وذلك حماية للنسيج الوطني والمجتمع من التمزق والاقتتال كما شهدت الساحة العربية في كثير من المناطق.
التناقض الأساسي بين فصائل منظمة التحرير والفصائل الإسلامية المقاومة هو الاعتراف بشرعية الاحتلال والتنازل عن الجزء الأكبر من فلسطين مقابل دويلة لم تر النور رغم مرور عقود على توقيع اتفاقية أوسلو، ورغم ذلك التناقض فقد وقعت جميع الأطراف اتفاقات للعمل المشترك أبرزها اتفاقيتا القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني، وما منع من تطبيق الاتفاقات هو رضوخ منظمة التحرير للفيتو الأمريكي والضغوط الإسرائيلية وأحيانًا العربية.
حوارات المصالحة بين فتح وحماس تمت في ظروف مختلفة، في أوقات التهدئة وأوقات الحرب مع العدو، في ظل التنسيق الأمني وفي غياب التنسيق الأمني، ولذلك لا يمكننا نسف جهود المصالحة الأخيرة بسبب عودة السلطة الفلسطينية لطاولة المفاوضات والتنسيق الأمني، لأن تلك الأفعال نتيجة طبيعة لاتفاقية أوسلو، ولأن المصالحة لن تجبر المنظمة على سحب اعترافها بالمحتل وكذلك لن تجبر المقاومة على التخلي عن سلاحها وبرنامجها المقاوم، فالهدف من المصالحة هو إجراء انتخابات وتجديد الشرعيات وممثلي الشعب في المنظمة والسلطة الفلسطينية.
تخطئ فصائل المقاومة إذا تراجعت عن المصالحة كردة فعل على تصرفات السلطة الأخيرة، إلا إذا كانت تعتقد حقًّا أن السلطة ستوقف المفاوضات والتنسيق إلى الأبد، ولكن هذا لا يعني أن تلك الفصائل ملزمة بالتمسك بالمصالحة إن أقدمت السلطة على اتخاذ إجراءات ضد الفصائل الفلسطينية أو ثبت أنها غير جادة في طي صفحة الانقسام.
المطلوب إذًا من فصائل المقاومة وفصائل منظمة التحرير كذلك التعامل بحكمة بالغة في الظروف الراهنة وعدم الانجرار إلى موجة جديدة من المناكفات حتى يتسنى إجراء الانتخابات والتقدم خطوة تجاه الوحدة الوطنية أو الانتظار حتى تنتهي العراقيل بشكل طبيعي، لأن الزمن يلعب لصالح الشعب الفلسطيني والوحدة والوطنية ونهاية الاحتلال الإسرائيلي.