بينما لم تفكر السلطة الفلسطينية في أبعد من قدميها في الدخول مباشرة لحلف يقوده الكيان الصهيوني للسيطرة على حوض البحر المتوسط ولم تتعلم من عشرات المرات التي لم يلتزم فيها الاحتلال الصهيوني بما يوقع عليه من اتفاقيات وتعهدات لا دولية ولا بينية مع السلطة وغيرها من دول المنطقة برزت المشكلة التركية اليونانية حول أحواض الغاز في شرق البحر المتوسط من ناحية وحول ترسيم الحدود البحرية بينهما وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة لكل منهما من ناحية أخرى.
وقد برز في القضية طرحان وهما الطرح اليوناني المدعوم من الاحتلال الصهيوني وفرنسا التي تراه فرصة للعودة للمنطقة وعدد من الأطراف العربية المعنية بالأمر وبعض الأطراف التي لا علاقة لها بأحواض الغاز ولا شواطئ لها على البحر المتوسط كالإمارات العربية المتحدة.
وعلى الجانب المقابل الطرح التركي الذي أيدته حكومة الوفاق الليبية فقط وبعض الدول العربية والأوربية دعت للتصالح والتفاهم حوله.
فما هما الموقفان التركي واليوناني؟
بينما يتسم الرأي اليوناني - المدعوم باتفاق منتدى غاز المتوسط - بمنطق الغطرسة الإمبريالية القديمة والتي تتبنى منطق ما أريكم إلا ما أرى وأن على جميع الأطراف القبول بما نريد وما نراه مصلحتنا من وجهة نظر اليونان والكيان الصهيوني رغم الديباجات الأدبية المنمقة في نصوص هذه الاتفاقيات من الحفاظ على حقوق جميع الشركاء في هذه الثروة، فعند التنفيذ ينهب الاحتلال الموقع على الاتفاقية مع السلطة الغاز الفلسطيني من شواطئ غزة عبر نهب غاز حقل مارين وتنهب من حدود لبنان غازها بينما تزعم شركات التنقيب عدم وجوده وحتى اللحظة لم يتحرك أحد لحماية حصة سوريا من هذا الغاز والكل يعول على أن تحميه روسيا بعد توقيع اتفاقية تسلب من خلالها الحق الوطني السوري في غازه لعشرات السنوات.
هذا الرأي الذي أزعج تركيا كونه لا يتعدى فقط على الحقوق الاقتصادية لتركيا ولدولة شمال قبرص التركية بشكل فظ فقط بل أيضا يحاول أن يفرض على تركيا حدودا مائية لا يقبلها أكثر الأتراك قربا من الغرب وحتى من اليونان كونها تحبس تركيا بعيدا عن حوض البحر المتوسط وتضع نفسها حامياً لحدود تركيا في منطقة بحر إيجه.
أما عن الموقف التركي فهو ورغم الصراخ الشديد ضده والهجوم الشنيع عليه في كل المحافل الدولية والأوروبية من قبل اليونان والكيان الغاصب وأنصارهم من العرب والعجم إلا أنه لم يعط نفسه الحق بأي شيء ولكن أيضا لم يعط أي أحد الحق في تحديد مصير الحقوق الاقتصادية في المنطقة ولا في ترسيم حدوده البحرية منفردا في ظل النزاع القائم منذ قرن من الزمان بسبب هذه القضية، فهو وبكل بساطة يطالب بجلوس الجميع على طاولة مستديرة لطرح كل القضايا الخلافية على الطاولة وحلها ضمن التفاهمات البينية من ناحية وبناء على المواثيق الدولية المتعارف عليها ولكن اليونان التي تعرف أنها ستخسر في أي محفل دولي للقضاء بينها وبين تركيا ترفض الأمر جملة وتفصيلا.
ماذا عن فلسطين وحقوقها الاقتصادية والقانونية!!
بينما تركيا من الدول القليلة الباقية تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني السياسية والتاريخية وتتصدر الجبهات المهاجمة للمواقف الدولية والصهيونية التي تعتدي على حقوق الشعب الفلسطيني عاجلت السلطة وشاركت في حلف تطبيعي اقتصادي يقوده الكيان الصهيوني ويستخدم في معاداة تركيا والاعتداء على حقوقها ولم يثر هذا التوقيع غضب الشارع التركي فقط بل إنه يعزز مواقف المعادين القضية الفلسطينية باتهام الفلسطينيين بطعن تركيا في الظهر وهؤلاء في الأغلب من العلمانيين الكماليين والقوميين المتطرفين، كما انه أيضا عزز موقف الاحتلال واليونان في فرض الحل الذي يريدون على المنطقة ونهب ما يريدون من حقوق الدول الأخرى.
ألم يكن حريا بالمسؤول الفلسطيني التريث أولاً في المشاركة في هذا الحلف أو على الأقل التحرك بمنطقية وعقلانية أكثر تحفظ له حقوقه وتبقي له سندا إقليميًا يشاركه الهم السياسي من ناحية ويحتاج لموقف دولي مثله في ترسيم حدوده وحقوقه ويطرح هذا كموقف ويحاول تحريك الأطراف الدولية لقبوله حتى بالمخاطرة بتحريك قطعه الحربية وسفن التنقيب في مناطق النزاع ليصنع أزمة تحل أزمته.
فالحل التركي المطروح هو الحل الوحيد الذي يمكن إن نفذ وجلس الجميع على طاولة واحدة وعبر مؤسسات فض النزاع الدولية المستندة للقوانين والأعراف المقبولة عالميا أن يحفظ لفلسطين ولكل الأطراف العربية الضعيفة في المنطقة مثل لبنان وسوريا حقوقهم الاقتصادية في غاز شرق المتوسط من ناحية ويثبت حدود كل قطر من هذه الأقطار اقتصاديا وقانونيا.
وبناء على ذلك فلم يتأخر الوقت كي تتحرك القوى الفلسطينية مجتمعة في ظل أجواء التقارب النادرة بين فتح وحماس من ناحية وفي ظل الدعم التركي الواضح للقضية الفلسطينية وتخلي العديد من الأطراف العربية -خاصة تلك المشاركة في منتدى غاز المتوسط - عن حقوق الشعب الفلسطيني أن يبادر الفلسطينيون في وضع الملف على الطاولة التركية وتوقيع اتفاق ترسيم حدود بحرية اقتصادية معها خاصة وأن هذا النوع من الاتفاقيات حسب الخبراء لن يضر بأي حقوق للأطراف العربية الشريكة في آبار الغاز في المنطقة وإن لم يكن ذلك ممكنا فالانضمام للمطالبة التركية بتدويل الملف وطلب حكم دولي يقرر حقوق الجميع وحدودهم فمرور هذا الأمر كما ترغب اليونان ودولة الاحتلال سيشكل خسارة فادحة اقتصادية للشعب الفلسطيني من ناحية ويضيع على الفلسطينيين فرصة تاريخية لتثبيت جزء من حقوقهم في مواجهة الكيان الصهيوني وغطرسته من ناحية أخرى.
وليس من الأسرار أن التوافق العربي مع تركيا سيفضي لحصص أكبر للأطراف العربية الأخرى وعلى رأسها مصر ولبنان وسوريا وكذلك تخفيف لحدة التوتر بين هذه الأقطار وتركيا مما سينعكس إيجابا على علاقات هذه الدول وتركيا مما سيقلل من حدة التوتر في الكثير من القضايا التي تشغل المنطقة عن القضايا الأكثر أهمية وأولوية والتي في حلها مصلحة لدول وشعوب المنطقة بأسرها حتى اليونان نفسها وسيكون الخاسر الأكبر في ذلك الكيان الصهيوني والنظام الإماراتي المستفيدان من التوتر في المنطقة.