فلسطين أون لاين

حماس ومسارات العلاقات التركية الإسرائيلية!

يشكل الاهتمام الرسمي التركي بالقضية الفلسطينية بعدًا استراتيجيًّا راسخًا في عمق السياسة الخارجية التركية وتاريخيًّا كان الموقف السياسي التركي من القضية الفلسطينية أو من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين هو المعيار الأساسي في تحسن أو تراجع العلاقات التركية الإسرائيلية منذ أول تحول سلبي في العلاقات عام 1967 بعد أن كانت تركيا أول دولة مسلمة تعترف بدولة الاحتلال عام 1949 لكن ومع صعود حزب العدالة والتنمية، ثم فوز حركة حماس بعده بسنوات قليلة بآخر انتخابات ديمقراطية في الأراضي الفلسطينية أضيف عنصر العلاقات بين تركيا وحماس لمعايير العلاقة بين الطرفين.

فقد كانت تركيا أول دولة غير عربية تزورها قيادة حركة حماس بعد فوزها بالانتخابات وظلت تركيا حتى اللحظة ترفض التعامل مع الحركة على أنها حركة إرهابية بل وصفها الرئيس التركي عدة مرات تارة بأنها حركة حازت على أصوات شعبها وأخرى بأنها حركة مقاومة مشروعة. ومن المعروف أن تركيا تتعامل مع القضية الفلسطينية بسقف حل الدولتين والاتفاقات الدولية وقد سعت عدة مرات عبر وزيري الخارجية (باباجان وتشاووش أوغلو) استمالة حماس نحو الاعتراف بحل الدولتين بل وبترك المقاومة المسلحة حسب تصريحات الوزيرين إلا أن هذا الأمر لم يتحول لضغط على الحركة في أي وقت ورفضته الحركة بشكل علني ومن داخل تركيا.

لكن ومع التصريحات الأخيرة للرئيس التركي أردوغان ومساعد وزير الخارجية حول رغبة تركيا بالتقارب مع دولة الاحتلال وأن العلاقة الاستخباراتية ما زالت قائمة بين البلدين (كما هو الحال مع النظام السوري والمصري) إلا أن العائق أمام تقدم العلاقة هي الممارسات الإسرائيلية وموقف قيادة الصف الأول في دولة الاحتلال (يقصد نتنياهو وطاقمه) عاد الحديث عن مستقبل العلاقة وسيناريوهاتها المتوقعة.

ومن أكثر الجهات التي يمكن أن تتأثر بهذه السيناريوهات حركة حماس التي تُعتَبر تركيا أحد أهم إن لم يكن أهم معاقلها التي تتحرك فيها بنوع من الحرية والقبول شعبيًّا ورسميًّا، وكل سيناريو لهذه العلاقة له أثر مختلف على حركة حماس في تركيا وحتى على الحركة بشكل عام.

سيناريوهات التغير في العلاقة

بالفعل وكما صرح الرئيس التركي أردوغان فإن العلاقات بين تركيا ودولة الاحتلال منذ الاعتراف به عام 1949 لم تصل إلى حد الانقطاع التام وسحب الاعتراف بل تراجعت في عدة مرات مع كل أزمة من احتلال عام 67 وحرق المسجد الأقصى والتعامل مع انتفاضة الحجارة 87 وحادث اغتيال الشيخ أحمد ياسين وغيرها ولكن العلاقة وصلت لأسوأ مراحلها على الصعيد السياسي بعد حرب غزة 2009 وما تلاها من أحداث من الاعتداء على سفينة مرمرة فوصلت لأقل مستوى دبلوماسي بين بلدين! يعترفان بشرعية بعضهما حيث مثل كل من البلدين قائم بأعمال السفارة منذ 2009 رغم تحسنها القصير عام 2016 لكنها عادت لسوئها بعد الجريمة الإسرائيلية على حدود غزة في ذكرى النكبة عام 2018 حيث طرد السفير الإسرائيلي بعد استدعائه وتسليمه وثيقة احتجاج تركية على تلك الجريمة.

وعلى الرغم من ذلك فإن الظروف الدولية التي تعيشها تركيا ورغبتها بتدوير زوايا المشكلات وتخفيف حدتها التي ظهرت في التصريحات المتعددة ولمستويات دبلوماسية وسياسية تركية مختلفة تشير إلى أن تركيا فعلًا معنية بتخفيف حدة التوتر بينها وبين دولة الاحتلال لعدة أسباب أبرزها رغبتها بامتصاص التهديدات الأمريكية وتقريب العلاقات على أعتاب بداية مرحلة بايدن في البيت الأبيض.

ولكن طبيعة هذا التحسن سيحكمه مستوى الرغبة والحاجة لدى الطرفين لهذه العلاقة وحسابات الطرفين لحجم المصالح التي ستعود عليهما نتيجة تحسنها وبناء على ذلك ولأن طبيعة العلاقات الدولية تعتبر كل القضايا هي أوراقًا لدى الدول لخدمة ثوابتها ومصالح تلك الدول العليا فإن حركة حماس وحتى القضية الفلسطينية على أهميتها لتركيا معنويًّا وعلى الرغم من التشديد التركي على أنها قضية مبدئية لها، هي أوراق يمكن تقديم تنازلات فيها على حساب ضمان مصالح استراتيجية عليا لها خاصة إذا استشعرت تركيا خطورة المرحلة القادمة على استقرارها السياسي والاقتصادي وحتى أمنها القومي وسلامة أراضيها.

ولهذا التغير ثلاثة سيناريوهات متوقعة وهي:

الإقبال الكامل من الطرفين وتقديم تنازلات كبيرة.

وفي هذا السيناريو تكمن المطالب التركية في تحول الموقف الإسرائيلي في قضية غاز شرق المتوسط والتحالفات الإقليمية من العداء للحلف بينها وبين الاحتلال وأن تتخلى دولة الاحتلال عن حلفائها في المنطقة وعلى رأسهم اليونان والإمارات لتقف في صف تركيا وفي هذه الحالة لن تقل مطالب دولة الاحتلال عن طرد كل قيادات وعناصر حماس الفاعلين في تركيا ومطالبة تركيا بدعم الموقف الإسرائيلي في المحافل الدولية وهو سيناريو من غير الوارد تحققه في حساب العلاقات الدولية العقلانية لأن كلا الطرفين لن يتجرأ على التخلي عن مواقفه التي بنى عليها تحالفاته ومواقفه الدولية والإقليمية وخاصة أن دولة الاحتلال تعلم يقينًا أن تركيا التي حركت ملف العلاقات هذه لن تكون صادقة فيه وأنها ستقلب الطاولة بعد وصولها لمبتغاها منها وكذلك تركيا فإنها تعلم أن المشروع المنافس لها في المنطقة هو مشروع محوره دولة الاحتلال ففتح الباب لهذا المشروع يعني بشكل واضح إفشال كل محاولات تركيا لتكون قوة إقليمية قريبة من شعوب المنطقة قادرة على إحداث تغيير فيها.

وهذا السيناريو إن تحقق فسيشكل ضربة قاصمة لظهر حركة حماس بل هو الكابوس إن صح التعبير على الحركة وحلفائها فتركيا القديمة التي كانت حليف استراتيجي لدولة الاحتلال كانت تعتبر الحديقة الخلفية له استخباراتيا وأمنيا فبجانب الدعم اللوجستي الذي كانت تقدمه الدولة التركية على الصعيد العسكري والأمني فقد كانت مخابرات البلدين! تشاركان في عمليات أمنية مشتركة داخل الأراضي التركية لاعتقال مطلوبين للاحتلال كما حدث مع مجموعة من الجهاد الإسلامي عام 1997 حيث اعتقلت مجموعة من الشباب الفلسطيني المنتمي للحركة من بيوتهم في أنقرة وإسطنبول بتهمة علاقاتهم مع إيران وتلقيهم التدريبات العسكرية فيها.

الرفض التام من الطرفين لتقديم التنازلات.

وهذا السيناريو يكون واقعيا في حال كان كلا من الطرفين في حالة لا يملك فيها الطرف الآخر أي أوراق قوة تشكل ضغطا عليه أو على مصالحه وهذا السيناريو أيضا غير وارد تحققه لأن كلا الطرفين خاصة تركيا تشعرانها بحاجة ملحة لتحسين هذه العلاقة فتركيا وبشكل عاجل تريد أن تمتص غضب بايدن وتهديداته عبر تحسين العلاقة مع الاحتلال وحتى أن بعض المصادر لدى الطرفين تتكلم عن احتمال تحول الاحتلال لوسيط في تحسين علاقة تركيا مع الإدارة الأمريكية الجديدة وكذلك فإن تركيا والاحتلال يرغبان بالوصول لحل مرضي لغاز المتوسط والذي يشكل الموقف التركي فيه عائقا أساسيًا أمام الاستفادة الاقتصادية منه بسبب حقها فيه ولكونها الدولة الأفضل لنقل هذا الغاز لأوروبا بأعلى جدوى اقتصادية ومن ناحية الكيان الصهيوني فإن رغبته بتقليم تركيا لأظافر حركة حماس وتضييق الخناق عليها وكذلك تخفيف حدة مواقف تركيا على الصعيد الدولي ضد ممارسات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه يجعل رغبتها في تخفيف التوتر مع تركيا مطلبا استراتيجيا لذلك فإن هذا السيناريو وإن كان هو المرغوب حمساويًا إلا أن احتمالية تحققه واردة وإن كانت ضعيفة، وعلى حماس وحلفائها أن يسعوا لتشجيع هذا الخيار ودعم تركيا وصانع القرار فيها لاتخاذه لكن القرار التركي لن يعتمد على أمنيات ورغبات الأصدقاء بقدر ما سيعتمد على حسابات المصالح العليا والمكاسب الاستراتيجية للبلد والدولة.

التوافق على تقديم تنازلات معقولة من الطرفين.

وهذه هي طبيعة العلاقات بين الدول المتنافسة أو حتى المتخاصمة وهذا السيناريو هو الأقرب للتحقق والأكثر منطقية في حساب العلاقات الدولية حيث أن كلا الطرفين يؤمن أنه بحاجة لتخفيف موجة التصادم بينهما وأنهما بحاجة ماسة لبعض الأوراق التي يملكها الطرف الآخر فتركيا تحتاج دولة الاحتلال في ملف العلاقات التركية الأمريكية بشكل ملح ودولة الاحتلال تحتاج لموقف تركيا في الملف الفلسطيني وخاصة ملف حركة حماس والملفات الإقليمية وكلا الطرفين بحاجة لبعضهما في عدة ملفات منها ملف غاز المتوسط وملف وسط آسيا وكذلك ملفات الشراكة العسكرية والاقتصادية.

وهذا السيناريو هو الذي يوجب على حركة حماس خاصة والقيادة الفلسطينية وأنصار القضية بشكل عام أن يسارعوا برسم استراتيجية لتفادي مخاطره القادمة إما بإثناء تركيا عنه أو بتخفيف حدة ضرره على القضية الفلسطينية وعلى حركات المقاومة الفلسطينية، فتركيا ورغم أنها لم تتخل عن مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ولم تقطع علاقتها بحماس رغم عقدها اتفاقيات وتصالحات مع الاحتلال سابقًا إلا أنها وتحت ضغط حسابات المصالح والمفاسد يمكن أن تضطر لتقديم تنازلات في موقفها من الحركة وحرية تحركها وعملها في أراضيها وقد قدمت تنازلات سابقة بالإعلان عن رفضها القيام بأي عمل عسكري ضد الاحتلال من أراضيها أو بتوجيه من أراضيها وطالبت مجموعة من قيادات حماس مثل القيادي الشيخ صالح العاروري بالخروج من أراضيها حسب العديد من المصادر رغم نفي حماس وجوده على أراضيها في حينه.