فلسطين أون لاين

من العناية المركزة اعتقل أحمد لـ(10) أيام مصابًا بعينه

بـ"الرصاص الأسود".. يقتلع الاحتلال أحلام أطفال العيسوية

...
القدس المحتلة / غزة - يحيى اليعقوبي

كان صالح محمود في الحادية عشرة من عمره حينما غادر منزله في بلدة العيسوية شمال مدينة القدس المحتلة متجهًا نحو متجر البقالة لإحضار بعض الحاجيات لوالدته، وما إن سار عشرات الأمتار حتى صادف مجموعة من جنود الاحتلال أمامه الذين طلب منهم الإذن لاجتياز الشارع.. وما إن سار عدة خطوات حتى بوغت برصاصة معدنية مغلفة بالمطاط لم يبصر النور بعدها.

ويروي والده سامر أن طفله مكث في العناية المشددة داخل مشفى المقاصد مدة (26) يومًا، في إثر نزيف بالدماع، وحول على إثر ذلك إلى مستشفى "هداسا عين كارم" الإسرائيلي، حيث أزال الأطباء العين التالفة في حين ظلت الأخرى تنزف".

عاش صالح وضعًا نفسيًّا صعبًا، تغيرت حياته، كان لديه أمل بأن يرى بالعين الثانية، لكن استمرار النزيف أفقده البصر فيها أيضًا.. يتوقف والده عند تلك اللحظات الفاصلة في حياة طفله، وبصوت يكتسي حزنًا يكمل: "دمروا حياتنا، وانقلبت حياة صالح، فبعدما كان يبصر بات يحتاج إلى من يعينه على فعل كل شيء".

ومنذ أصيب صالح عام 2014 قدمت العائلة عدة شكاوى أمام المحاكم الإسرائيلية، أضيفت إلى جانب آلاف الشكاوى الأخرى التي ركنتها سلطات الاحتلال في أدراج المماطلة والتسويف وتضييع الحقوق، وتبرير جرائم جنودها.

فرحة لم تكتمل

وفي مشهد آخر من مشاهد طفولة العيسوية المعذبة، كان الفتى نور الدين مصطفى (15 عامًا) يلعب مع أبناء عمه القادمين من أمريكا في زيارة إلى القدس، في يوليو/ تموز 2017م، حينما اندلعت مواجهات مع قوات الاحتلال وشبان البلدة الثائرين، تردد خلالها على مسامع والدته أصداء اسمه.

ظلت الأم لثوانٍ غير مكترثة لما يجرى فقد اعتادت تلك المواجهات، كما تسرد، قبل أن تسمع أصوات صراخ أسفل شرفة منزلها، حيث تركت على الفور طفلها الرضيع؛ لتستعلم عما يحدث، لتجد "نور الدين" ملقى على الأرض والدم يسيل منه.. أصابه جنود الاحتلال برصاصة معدنية مغلفة بالمطاط مباشرة أفقدته عينه اليسرى.

تقول الأم: "لما شفته كان وجهو وتمه منفخ ما عرفتهوش.. حكيت مش ابني" .. وما زالت تلك الحادثة تستوطن ذاكرتها.

تسدل الأم الستار على حديثها بالإشارة إلى أن أثر الرصاصة لم يقتصر على فقدان أيمن البصر بعينه، بل انساب ماء إلى مركز الدماغ شكل خطرًا على حياة حتى تعافى تمامًا، "انقلبت بعدها حياته، فبات يكره النظر إلى نفسه في المرآة، ويألف الجلوس بمفرده".

وعد لم يتحقق

وفي زاوية أخرى من زوايا العيسوية التي تعج بحياة أطفالها، كان أحمد محمد محمود يسابق الوقت راكضًا نحو بيته بعدما وعدته أمه بشراء حذاء رياضي جديد إذا حصل على علامة كاملة في الامتحان، وصل البيت فرحًا بالنتيجة وفرحت هي الأخرى بها، فخرجا معًا إلى السوق حيث وقع ما يكن متوقعًا.

يقول والده: "ما إن ابتعد أحمد وأمه عشرات الأمتار عن المنزل حتى شهدا اندلاع مواجهات، حاولا تجنبها بسلوك طريق آخر فأطلق أحد جنود الاحتلال رصاصة اخترقت جبهته من جهة الحاجب دخل على إثرها إلى المشفى في حالة خطرة".

لم تنتهِ التفاصيل هنا، ولم تغلق القصة عند فقدان أحمد بصره في إحدى عينيه، بل لاحقه جيش الاحتلال إلى سرير المشفى وغرفة العمليات واعتقله لمدة (10) أيام.

يستذكر أحمد تفاصيل ما حدث: "نقلت في وضع صحي صعب، كنت أتألم ولا أحد يسمعني أو يحضر لي الدواء، سجنت بمركز تحقيق المسكوبية في القدس، وتعرضت لتحقيقات مستمرة، وهددوني بتلفيق تهمة المشاركة في إلقاء الحجارة على الجيش، وهو ما نفيته تمامًا.. كان الهدف من ذلك الضغط لإغلاق الملف (...) ضيعوا أغلى ما عندي؛ الحمد لله على كل حال".

ترهيب المقدسيين

رئيس اللجان الشعبية بالعيساوية محمد أبو الحمص، يوضح أن جنود الاحتلال يتعمدون استهداف أعين الأطفال، وإطلاق الرصاص على المناطق العلوية من الجسم لترهيب المقدسيين، "فالإفلات من العقاب مضمون".

ويشرح أبو الحمص لصحيفة "فلسطين"، أن سلطات الاحتلال تتبع سياسة التقييد ضد مجهول، حينما تتقدم عائلات الضحايا بشكاوى ضد الجيش، مقدرًا أن (15) طفلًا بالعيسوية فقدوا بصرهم كليًا أو جزئيًّا بفعل رصاص الجنود الإسرائيليين.

ولفت إلى أن سلطات الاحتلال تتخذ من بلدة العيسوية "ساحة تدريب لجنودها بهدف ترويع المقدسيين".

سياسة مقصودة

في حين يؤكد مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عايد أبو قطيش، أن طريقة تعامل قوات الاحتلال مع الأطفال الفلسطينيين خلال المواجهات أو عمليات الاعتقال لا تتناسب مع المعايير الدولية ولا حتى الإسرائيلية ذاتها.

وبين أن جيش الاحتلال يرتكب جملة من الجرائم كالاستخدام المفرط للقوة، التي حولت بعض الأسلحة غير القاتلة لسلاح قاتل، ومن ذلك الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والقنابل المسيلة للدموع التي في حال أطلقها الاحتلال مباشرة على الأجزاء العلوية من الجسم ينتج عنها إصابات جسيمة.

ونبه أبو قطيش في حديثه لصحيفة "فلسطين"، إلى أن الجانب المهم في الأمر هي سياسة الإفلات من العقاب، وتمتع جنود الاحتلال بحصانة من المساءلة، وهذا ضوء سياسي أخضر لارتكاب المزيد من الجرائم.

ويرى أن السياسة الإسرائيلية العامة في القدس تحمل توجهًا واضحًا لقمع الفلسطينيين في القدس من خلال الاستهداف الدائم للأطفال والشبان بالاعتقال والأعيرة النارية والقتل المباشرة، وهذه أفعال تترك تأثيرات بعيدة المدى، كإحدى أدوات الإخضاع والسيطرة.