هو الموضوع الذي لو تحدثتُ عنه ألف مرة بعد المليون لن أمَلّ ولن يتوقف قلمي أو لساني عن الحديث عنه والتشديد عليه حتى نصل إلى وقف هذه الحالة المزعجة والمزرية التي وصلنا إليها، وبالتأكيد فإن القارئ العزيز قد فهم عما أتحدث، مقالتُنا اليوم عن "الشائعات وقت الأزمات".
في زمن "الإعلام الاجتماعي"، أصبح كل مواطن يمتلك قناته الخاصة التي يذيع منها ما يشاء لكل العالم، ولذا اصطلح على تسميتها عُرفًا "صحافة المواطن"، وإن كنتُ أرى هذه التسمية تجنيًا على العالم الافتراضي أولًا، على الصحافة ثانيًا.
هي تجنٍ على العالم الافتراضي، الذي نشأ في أساسه للتواصل، فاسمه "منصات التواصل" أو "الإعلام الاجتماعي"، والغرض منه منذ البداية أن يكون أداة جديدة ومتقدمة تتيح لكل سكان الكرة الأرضية التواصل والتعارف، ولكن –حتى نكون منصفين– فإن قيام هذا العالم الافتراضي بأدوار أخرى ليس محرمًا، ويُعد أهدافًا رئيسة تحتل درجات متفاوتة بعد السبب الأساس وهو التواصل.
وهي تجنٍ على مهنة الصحافة، والتي تضبطها قواعد عمل وقوانين نشر، ويعرف الممارسون لها مدى حساسية الميزان الصحافي في تناقل الأخبار ونشرها للجمهور، بل ومدى تأثير "كلمة" أو حتى "حرف" زيادةً أو نقصانًا على مغزى المادة الخبرية ورسالتها، وهذا ما ليس له مكان في "مواقع التواصل الاجتماعي".
من جانب آخر، إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في هذه المواقع بحد ذاتها، فقد وفرت لنا هذه المواقع، خدماتٍ جليلةً –صحفيين ومواطنين– لا يستطيع أحدٌ أن ينكرها، وشكلت إضافة قوية وعصرًا جديدًا لعالم الإعلام، بل إن المشكلة في طريقة استخدامها، وفي الأشخاص الذين يستخدمونها في غير تخصصاتهم وخبراتهم، وما حدث الأسبوع الماضي دليل جديد على الآفة التي يعاني منها مجتمعنا الفلسطيني، من نشر الشائعات وتداولها.
إن هناك مطالبات ضرورية لا بد من ذكرها، فعلى الجهات المعنية أولًا أن تبدأ حملة توعية كبيرة تبيّن للموجودين على هذه المواقع خطورة نشر الأخبار –حتى وإن كانت مؤكدة وموثوقة– قبل أن تصدر المعلومات من الجهات الرسمية ذات الاختصاص، لكن التوعية بحد ذاتها ليست حلًا، لذا فالمطالبة الثانية أن تكون هناك إجراءات رادعة وحاسمة، هذه الإجراءات تضع حدًا قانونيًا لكل متهور مراهق يريد أن يركب الموجة ويمارس ما هو ليس أهلًا لممارسته أبدًا.