فلسطين أون لاين

​النميمة قبيحة وإن كانت صحيحة

...
غزة- هدى الدلو

تُعرف النَّميمَة بأنها نقل الكلام بين الناس؛ لقصد الإفساد، وإيقاع العداوةِ والبغضاءِ بينهم، وقد جاء في الحديث:" إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ"، فما هي عقوبة النمام؟، وهل لو كانت صحيحة تسمى نميمة؟، هذا وغيره نجيب عنه في السياق التالي:

الداعية الدكتور محمد العامودي تخصص الحديث الشريف وعلومه قال: "من أجل ما تفسده النميمة رتب الشرع عقوبة مغلظة لهذا الذنب، وتتمثل في الحرمان من دخول الجنة: فقد جاء في الحديث الذي يرويه مسلم من حديث هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَنْقُلُ الْحَدِيثَ إِلَى الْأَمِيرِ، فَكُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: الْقَوْمُ هَذَا مِمَّنْ يَنْقُلُ الْحَدِيثَ إِلَى الْأَمِيرِ، قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْنَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ".

وذكر قول الخطابي أن النمام الذي يكون مع القوم يتحدثون فينم حديثهم، والقتات: الذى يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم حديثهم، والقساس: الذى يقس الأخبار، أي يسأل عنها ثم ينثرها على أصحابه.

وأشار د. العامودي إلى أن من العقوبة أيضًا، العذاب في القبر، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ"، كما أنهما من شر العباد، فقد جاء في الحديث الذي يرويه أحمد من حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: "الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا، ذُكِرَ اللهُ تَعَالَى"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ".

وأوضح أن النمام يندرج تحت صاحب كبيرة، فسورتان بدأتا بالويل، المطففون وتحدثت عمن يأكل حقوق العباد، والأخرى الهمزة وتناولت من يأكل أعراض العباد، قال السُّدِّيِّ قَوْلُهُ: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ نزلت فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ كان كثير الوقيعة بين الناس، وسئل ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قَالَ: هُوَ الْمَشَّاءُ لِلنَّمِيمَةِ وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ الْمُغْرِي بَيْنَ الْإِخْوَانِ، والويْلٌ عذاب شديد وهلاك ودمار، لكل من يعيب الناس ويغتابهم ويطعن في أعراضهم، أو يلمزهم سراً بعينه أو حاجبه.

وبين د. العامودي أنه إذا عرف شخص بالنمام فيتم التعامل معه وفق ما ذكر الإمام الغزالي بأن السلامة في ستة أمور، تندرج في أنه لا يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ النَّمَّامَ فَاسِقٌ، وأَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَنْصَحَهُ وَيُقَبِّحَ لَهُ فِعْلَهُ، وأَنْ يُبْغِضَهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ بَغِيضٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجِبُ بُغْضُ مَنْ أَبْغَضَهُ الله تعالى، وأن لا يظن بأخيه الغائب السوء، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ"، وأن لا يَحْمِلَهُ مَا حُكِيَ لَهُ عَلَى التَّجَسُّسِ وَالْبَحْثِ عن ذلك (ولا تجسسوا ولا تحسسوا)، وأن لا يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا نُهِيَ النَّمَّامُ عَنْهُ فَلَا يَحْكِي نَمِيمَتَهُ عَنْهُ فَيَقُولُ فُلَانٌ حَكَى كَذَا فَيَصِيرُ بِهِ نَمَّامًا وَيَكُونُ آتِيًا مَا نُهِيَ عَنْهُ

ولفت إلى أنه لو جاء رجل يتحدث بأمرٍ كاذب فهو فاسق، وإن كان حديثه صادقًا فهو نمام، وذكر أنه قد جاء أن رجلاً ذَكَرَ لعمرَ بن عبد العزيز رضي الله عنه رجلاً بشيء، فقال عمر: إن شئتَ نظرنَا في أمرك، فإن كنتَ كاذبًا فأنتَ من أهل هذه الآية: "إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبأ فَتَبَيَّنُوا"، وإن كنتَ صادقاً، فأنتَ من أهل هذه الآية: "هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بنَمِيمٍ"، وإن شئتَ عفونا عنك، قال: العفو يا أميرَ المؤمنين لا أعودُ إليه أبدًا.

وختم د. العامودي حديثه: "وقد رفع إنسانٌ رُقعةً إلى الصاحب بن عبّاد يحثُّه فيها على أخذ مال يتيم وكان مالًا كثيرًا، فكتبَ على ظهرها: النميمةُ قبيحةٌ وإن كانت صحيحةً، والميّتُ رحمه الله، واليتيمُ جبرَه الله، والمالُ ثَمَّرَهُ الله، والساعي لعنه الله، وقد جاء رجل إلى وهب فقال: إن فلانًا شتمك، فقال وهب: أما وجد الشيطان بريدا غيرك؟".