رحل القائد يحيى السنوار بخاتمة أسطورية خاض فيها الاشتباك من النقطة صفر مع قوات الاحتلال، ليرفع ذكره ويستحضر الجميع مواقفه وكلماته لفهم مسيرة قائد طوفان الأقصى.
ومع استشهاد القائد المشتبك، عادت إلى دائرة الضوء روايته "الشوك والقرنفل" التي كتبها من داخل سجن السبع عام 2004، وصدرها بقوله: هذه ليست قصتي الشخصية وليست قصة شخص بعينه رغم أن كل احداثها حقيقية.
وما جعل الكثيرون يبحثون عن الرواية ما نشره مدونون لحوار تضمنته بين أحد أبطال القصة مع أمه وهو يقول لها: الآن جاء الموعد يا أماه، فلقد رأيت نفسي أقتحم عليهم موقعهم، أقتلهم كالنعاج ثم استشهد، ورأيتني بين يدي رسول الله ﷺ في جنات النعيم، وهو ما فعله القائد البطل بتقدمه إلى خطوط القتال الأولى.
فلسطين أون لاين استطلعت آراء مجموعة من الأدباء والنقاد الفلسطينيين والعرب في رواية القائد السنوار وكلماته التي دبت فيها الحياة باستشهاده لتبقى نبراسًا لسالكي طريقه الحرية المعبد بالتضحيات.
دروب الشهادة
يرى الناقد والكاتب الدكتور عادل الأسطة أن الرواية تقول إن ما حدث مع يحيى السنوار ليس مستغربا وليس مستبعدا على الإطلاق وأن النتيجة النهائية أو التي كان يتوقعها ويسير في دروبها سوف تؤدي إلى استشهاده.
يحيى السنوار واحد من أطفال المخيمات المعذبين الذين دفعوا ثمنا باهظا وبالتالي لا بد أن يقاوم الظلم الذي وقع عليه، هكذا يلخص الأسطة لفلسطين أون لاين المشهد، مشيرًا إلى وجود ظلم تاريخي وقع على الفلسطينيين وعلى اللاجئين الفلسطينيين ولا بد من أن يؤدي إلى النتيجة التي نراها.
ويبين أن الرواية هي سيرة روائية ولا أقول سيرة ذاتية، موضحًا أنه في السيرة الروائية يختار الكاتب من عدة شخوص مجموعة من الأشياء ثم يبني شخصية واحدة تجمع بين صفات مختلفة من شخصيات مختلفة وهذا متوفر في الشوك والقرنفل.
وأضاف أن الرواية لها بعد اجتماعي أكثر من بعدها الأدبي.. السنوار لم يفرغ نفسه كاتبا روائيا هو كتب تجربته وتجربة بروز التيار الإسلامي ونهوضه وقوته.
ورأى أن الرواية كانت تأريخا لنهوض الحركة الاسلامية منذ ثمانينات القرن العشرين إلى ما وصلت إليه. وما وصلت إليه في الرواية هو ما شاهدناه في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
صاحب رسالة قوية
الكاتب والأديب وليد الهودلي يشير إلى أن "الشوك والقرنفل" كانت البداية الأدبية ليحيى السنوار في السجن فيما بعد كتب دراسات مهمة ووازنة، مبنية على تفكير علمي لكاتب يمتلك الروح العلمية، ويفهم الدين بطريقة ثورية.
ويؤكد لفلسطين أون لاين: أن الرواية تنم عن صاحب رسالة قوية صادق مع نفسه، مضيفا "أهم ما في الادب الصدق.. صدق المشاعر " وفق ما ينقل عن الدكتور عبد الكريم أبو خشان، ويواصل الهودلي صدق السنوار تراه في حجم الاشادة بخاتمته المتطابقة تماما مع روايته.
وقال: كتب نهاية الرواية واقعيا، حيث قدم نفسه شهيدا وهذا مهم جدا، في إشارة إلى حوار أحد أبطال الرواية محمد مع أمه وأنه قرر أن يقتحم على العدو موقعهم ويقتلهم قبل ان يستشهد.
ويلفت الهودلي -وهو أيضا أسير محرر- في الرواية عادة يكون علاقة بين سيرة كاتبها وسيرة بطل الرواية، والكاتب يبوح بما في داخله ويسقط هذا البوح على شخصيات روايته.
يضيف: نجد تماثلا بين الكاتب وروايته. التماثل هو عشق روحاني داخلي يتماهى فيما يتوق له الكاتب مع ما يسقطه على بطل الرواية. كأنه في توافق بين الأرواح تتلافى وتتفق على هذا العشق.
ويخلص إلى أن "الشوك والقرنفل" قوية متينة فيها سبك الرواية واللغة الأدبية الروائية، فيها كل عناصر الرواية من العقد والحبكة والأسلوب الجزل واللغة النابضة.
حلم تحقق
الأديبة أمل الصخبورية من سلطنة عمان، تشير إلى أن البعض يرى حلمه داخل عقله، حتى يكاد يلتهم تفاصيل وجوده الواقعية.
تقول في حديثها لفلسطين أون لاين: هذا بالضبط ما حصل مع بطلنا الشهيد "السنوار"، حلم بوطن محرر بالكامل، حلم أن يموت لأجل هذا الحلم، وسعى واستمات لأجل ذلك، وقرر ذات يوم أن يكتب حلمه لعله يغدو واقعا، فكتبه بأجمل ما يمكن، كتب في حضن رواية أسماها "الشوك والقرنفل".
وأضافت: كان هو بطلها على الورق، فانتزع نفسه من بين سطور الرواية وأسوار سجون العدو، ليغدو بطلا من لحم ودم، ووقف مسطرا نهاية بطل روايته(محمد) واقعا على صفحة شهداء الوطن الكرام، ليصبح هو اقتباسا حيا أجمل مما كتب وسيكتب.
رواية شبه سيرة ذاتية
الكاتبة والأديبة خلود الغيثي -عضو رابطة أدباء الرعب الخليجية- تبين أن الشوك والقرنفل هي رواية شبه سيرة ذاتية تعكس حياة الفلسطيني داخل سجون الاحتلال مما يربط بين الجانب الفردي من تجربة الاعتقال وحياة المجتمع الفلسطيني في ظل الاحتلال.
يستلهم السنوار الرواية – وفق الغيثي- من تجربته الشخصية حيث قضى سنوات طويلة في الأسر مما يضفي على النص واقعية وصدقا عاطفيا.
ويقدم الكاتب صورة نابضة عن حالة الصراع النفسي والجسدي التي يعانيها الأسرى بين الشوك الذي يمثل معاناة السجن وظروفه القاسية، والقرنفل الذي يرمز للأمل والحب الذي يستمر في النمو رغم الألم، وفق الغيثي.
تضيف أن الرواية تتناول أيضا مواضيع انسانية عميقة مثل الحنين للوطن والعلاقات العاطفية والاجتماعية التي تتعرض للانقطاع بسبب الأسر، والصداقة التي تنشأ في ظروف القهر، مما يجعل النص متوازنا بين البعد السياسي والاجتماعي.
وترى أن أسلوب الكاتب يمتاز بالبساطة والوضوح، مع قدرة على نقل المشاعر بصدق شديد.. وهو يستخدم لغة غير متكلفة لكنها عميقة في إيصال المعاني.
الألم والأمل
الشوك والقرنفل كرمز بين متضادين للألم والأمل يعكس قدرة الكاتب على التعبير عن ازدواجية الحياة في ظل الاحتلال، وفق الكاتبة الغيثي.
وتشير إلى أن السنوار يميل إلى السرد المباشر مما يجعل الرواية قريبة من السيرة الذاتية مع الكثير من التوصيفات الدقيقة للبيئة المحيطة وأجواء النص مما يضفي بعدا واقعيا على النص.
وحددت الغيثي 4 أفكار أساسية في الرواية؛ أولاً السجن كمساحة للصراع النفسي والجسدي، ثانياً الأمل وسط المعاناة، ثالثاً الوفاء للوطن والمبادئ، رابعاً الواقعية.
وأشارت إلى أن السنوار رحمة الله عرض لنا من خلال الرواية كيف يمكن أن يتحول السجن إلى ساحة لبناء الذات، حيث يكتشف أبطال الرواية ذواتهم وكذلك يكتشفون معنى حقيقي للحرية داخل القيود ( السجن ).
وتلفت إلى الواقعية التي اتسمت بها الرواية؛ حيث كان السرد مليئا بتفاصيل الحياة اليومية في المعتقل، من التعذيب إلى تفاصيل العلاقات بين الأسرى، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش معهم تلك اللحظات، أيضاً تفاصيل الحياة في المخيمات.
كما يسلط النص – وفق الغيثي- الضوء على فكرة الوفاء رغم المحن، وكيف يتمسك الأسرى بمبادئهم وقضيتهم رغم القهر.
وتؤكد أن الرواية مناسبة لمن يهتمون بالقضية الفلسطينية ويرغبون في فهم التجربة الحياتية للأسرى عن قرب. لكنها في الوقت ذاته تقدم جانبا إنسانيا عامرا يمكن أن يتواصل معه أي قارئ يبحث عن معنى الصمود والتمسك بالأمل في أشد الظروف قسوة.
وتخلص الغيثي إلى أنه رغم الحزن الذي يلف النص، إلا أن الأمل يظل عنصرًا حيويًا من خلال تذكر الأحباب، أو الإيمان بتحرر قريب.