"احجروا على عباس"، تسللت هذه الكلمات بعفوية من الغزية الخمسينية أم محمود، ممتزجة باليأس من سياسات رئيس السلطة الثمانيني الذي اتخذ قرارا بسحب موظفيه من معبر رفح البري، أول من أمس.
وإجراءات عباس العقابية التي وصفها بغير المسبوقة، منذ أبريل/نيسان 2017، بحق قطاع غزة، أفقدت "أم محمود"، التي فضلت عدم كشف اسم عائلتها، القدرة على الاستمرار في إعالة أسرتها.
وتشمل عقوبات عباس، الخصم من رواتب موظفيها في القطاع دون الضفة، وتمس مجالات حيوية كالصحة والكهرباء والوقود، وغيرها.
وتسلمت هيئة المعابر والحدود في السلطة رسميا مسؤولية معابر القطاع، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 حسب الجدول الزمني الذي حدده الاتفاق، بيد أن رئيس الحكومة رامي الحمد الله ربط آنذاك عمل هذه المعابر بالملف الأمني، في خطوة أثارت جدلا حول نوايا السلطة وعدها البعض توجها نحو "الإحلال والوصاية" بدلا من الشراكة.
وتقول أم محمود لصحيفة "فلسطين" بينما تمسك شواقل معدودات أمام محل لبيع الخضار وسط غزة: عباس يريد أن يخرب الوضع، ويخنق غزة أكثر مما هي مخنوقة في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ 12 سنة تواليا.
وتدهورت الأوضاع المعيشية لأسرة هذه السيدة عندما بدأ عباس إجراءاته العقابية، إذ إنها تعمل خياطة ولم تعد تستقبل الزبائن كما السابق.
تضيف: "إجراءات عباس أثرت على الاقتصاد.. حتى إيجار المنزل لا أعرف كيف أسدده، فضلا عن فاتورة الكهرباء والمياه".
وعن اقتصار قرار سحب موظفي السلطة من معبر رفح دون حاجزي بيت حانون (شمالا) وكرم أبو سالم (جنوبا)، توضح أن عباس يستفيد ماليا منهما، بينما لا يريد للمواطنين المرضى أو ذوي الحالات الإنسانية أن يتمكنوا من التنقل.
وتنبه إلى أن ضحية قرارات عباس هو المواطن، مطالبة بما وصفته "الحجر" على رئيس السلطة.
ويتفق الغزي علاء الدين شُراب الذي يعمل صيدلانيا، مع سابقته في أن قرار السلطة يساهم في زيادة الحصار المفروض على القطاع والضغط وزيادة "الابتزاز" للحصول على "مكاسب سياسية".
ويصف شراب (42 عاما) في دردشة مع صحيفة "فلسطين" هذا القرار بأنه "خطوة غير لائقة".
ويرى أن قرار عباس لم ينطبق على حاجز كرم أبو سالم نظرا لاستفادة خزينة السلطة من المقاصة، مبينا أن هذا الحاجز الذي تمر عبره بضائع مختلفة، تدر للسلطة عائدا ماليا كبيرا على حساب المواطن.
وأمام هذا القرار، يطالب شراب بتنسيق بين الفصائل وتشكيل "وحدة إنقاذ"، وفق وصفه.
كما أنه يعتقد أن على السلطة التراجع عن قرارها، مبديا ثقته بأن القائمين على الوزارات في غزة لا يعارضون ما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني.
وأبدى الغزيون ثقتهم بوقوف جمهورية مصر العربية إلى جانب حقوقهم، إذ يقول وائل سعيد (17 عاما): إنه متأكد من أن مصر ستواصل العمل على تخفيف معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة بالسبل كافة، ومنها استمرار عمل معبر رفح.
غضب في فيسبوك وتويتر
وشغل قرار السلطة بشأن معبر رفح مساحات في الفضاء الإلكتروني عبر فيها المواطنون عن غضبهم من الإجراءات العقابية المتتالية.
وعبر موقع التواصل "فيسبوك"، يشير الناشط أسامة الشاعر (32 عاما)، إلى أن عناصر السلطة انسحبت من معبر رفح، وأبقت سيطرتها على حاجز كرم أبو سالم الذي يدر دخلا على جيب السلطة من خلال الضرائب، وحاجز بيت حانون "لإرضاء الجانب الإسرائيلي أمنيا".
ويضيف الشاعر: "يجب وضع حد لهذه المزاجية والانتقاء، فإنما أن يتم حمل الجمل بما حمل وإما أن تنسحب فتح من (حاجزي) أبو سالم وبيت حانون"، مطالبا الفصائل بالإسراع في اتخاذ القرار "كي لا تصبح المؤامرة أمرا واقعا".
ويتابع بدعائه أن "يجنب الله غزة وأهلها الصابرين الصامدين في وجه المحن من الفتن والمؤامرات ما ظهر منها وما بطن".
وسخر الناشط "طارق طبازة" في موقع "فيسبوك" أيضًا من صورة التقطها موظفو السلطة المنسحبون من معبر رفح وهم يرفعون شارة النصر، قائلا: إنه سأل جدته عن رأيها في هذه الصورة فأجابت: "الغريبة في الصورة يا ابني أنهم (جنود السلطة) لأول مرة ينسحبون من مكان ويبقون مرتدين لملابسهم"، في إشارة إلى صورة متداولة أظهرت عناصر أمنية تابعة للسلطة في الضفة وقد أبقت قوات الاحتلال على ملابسهم الداخلية فقط.
كذلك موقع التدوين المصغر "تويتر" شهد تعليقات رافضة لقرارات السلطة، منها تغريدة Mr|Basil M. Hajeer"" التي يؤكد فيها أن سحب موظفي السلطة من معبر رفح تكريس لسلسلة الإجراءات العقابية التي تفرضها الأخيرة على غزة.
ويدعو إلى محاسبة عباس الذي يصفه "بالعجوز الذي يستحق العذاب"؛ على حد قوله.
أما الناشط "رضوان الأخرس" يستعرض في موقع "تويتر" الأحداث الأخيرة قائلا: "قبل أيام قطع محمود عباس رواتب دفعة جديدة من موظفي السلطة في القطاع، ثم سحب موظفي السلطة من معبر رفح، وأمس أوقف الاحتلال دخول الأموال القطرية إلى الموظفين في قطاع غزة!".
ويتمم تغريدته: "سلسلة من الإجراءات المتزامنة تستهدف قطاع غزة الذي يعاني حصارا خانقا منذ حوالي 12 عاما".
ويحذر الغزيون من إمكانية أن تؤدي إجراءات عباس لفصل الضفة عن فلسطين.