فلسطين أون لاين

​مارِس المداراة لا المداهنة

...
غزة - نسمة حمتو

بعض الأشخاص في حياتنا قد نُحب طباعهم وتصرفاتهم تجاهنا، فهم أمامنا كصفحة بيضاء ناصعة لا خدش فيها، ولكننا نكتشف للأسف أن صفحاتهم هذه مليئة بالألوان السوداء من خلفنا، يتحدثون عنا بأبشع الصفات، فهم أسوأ الناس خلقاً لأنهم يجحدون عشرتك وينكرون فضلك، ويفشون سرك ويقولون ما ليس فيك، فكيف نميز بين هؤلاء ومن يحاول المداراة على الأشياء كي لا يفقد ود أصحابها..؟

خفض الجناح

زينة لبد (23 عاما) تقول: "المداراة جميلة في حياتنا، فهي تعني بالنسبة لي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الأغلاط جانباً، ولكنها تختلف حسب النية عند بعض الأشخاص"، موضحة أن البعض يجامل ويتحدث بأجمل الألفاظ، ولكن من خلف الشخص يقول كلامًا سيئًا وهنا يطلق عليه "أبو وجهين".

شخص متفهم

أما أسماء عبد الواحد (30 عاما) فتقول:" هناك فرق واضح جداً بين المداهنة والمداراة فالأولى صفة ذم والثانية مديح، أي أنك عندما تعرف أن فلانا شخص سيئ ولا يطاق ولك مصلحة معه لذلك تأتي أمامي وتقول إنه راقٍ وجميل وحديثه جذاب فهذا قمة المداهنة".

وتابعت حديثها:" ولكن المداراة تكون عندما تعلم بأنني شخص جيد في التعامل ومتفهم، وتقول نفس صفاتي أمام غيري، حتى وإن قلت في نهاية حديثك إنني متسرع أو سريع الغضب فأنت قلت الحقيقة ولم تكذب".

مداراة الأخطاء

وأضافت:" إذا أردنا أن نعيش بسلام في هذه الحياة علينا أن نتغافل عن أخطاء البعض، فالتغافل لا يعني أبداً أنك ضعيف أو أنك لا تستطيع أن تأخذ حقك منهم، لو فكرت جيداً ستجد أنك لن تستفيد كثيراً من افتعال المشاكل وكسب البغض من البعض، سامح وتعلم درساً كيف تتعامل مع هؤلاء الناس فيما بعد".

ومضت بالقول:" في الحياة دروس وعظات كثيرة يجب أن نتعلمها، أولها ألا نثق بالأشخاص بسهولة، فالثقة الزائدة بالآخرين قد تدمر حياتنا فيما بعد وتجعلنا مترددين لا نثق بسهولة في أي أحد، وقد تتسبب في عقدة شك كذلك، علينا أن نضع حدودا للأشخاص عليهم ألا يتجاوزوها أبداً".

الألفة والحب

بدوره، يعرف أستاذ علم النفس في الجامعة الإسلامية د. وليد شبير "المداراة بأنها من أخلاق المؤمنين، ومن أقوى أسباب الألفة بينهم، ومن ظن أن المداراة هي المداهنة فقد أخطأ، فإن المداهنة المراد منها أن تعاشر الفاسق، وأن تظهر الرضا لما هو عليه، من غير إنكار عليه".

وقال:" المداراة هي أن تداري صاحبك وأن تدفعه برفق ولين، كما ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله، فمداراة الناس والتلطف معهم لا بد للإنسان أن يتخذها سبيلا في حياته".

وأكد شبير أن للمداراة فوائد كثيرة في علاج كثير من الأمور سواء في المنزل مع الأسرة أو في العمل ومع الزملاء والأصدقاء، قائلاً:" لكن على ألا يكون ذلك على أشياء بارزة وغير سلمية، فالمداراة هي التلطّف والتلين مع الآخرين على حسب مراتبهم".

صفة ذميمة

أما فيما يتعلق بالمداهنة فقال شبير:" المداهنة صفة ذميمة، فهي أن تسكت عما يجب عليك النطق به، أو أن تترك ما يجب عليك فعله لغرض دنيوي".

وفرّق بين المداهنة والمداراة، بقوله إن الأخيرة هي خفض الجناح للناس والرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإِغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألف، وهي من أخلاق المؤمنين ومندوب إليها.

ونوه شبير إلى أن المداهنة مأخوذة من الدهان، وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه كمعاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، وهي محرمة منهي عنها.

وقال:" في معاشرة الناس يجب التعامل بلطف وبرضا من النفس بعيداً عن الضغائن وسواد النفوس، ومن الجيد أن نتنازل من أجل أن تسير الحياة، إذا اضطررنا للتعامل مع الأشخاص الذين يمتلكون أكثر من وجه فيجب علينا أن نكون حذرين من التعامل معهم".

وتابع قوله:" من الجيد مداراة الناس وخفض الجناح لهم ومعاملتهم بود وراحة على ألا يكون باطننا يحمل عكس ذلك، ولكن علينا أن نظهر عكس ما في قلوبنا من أجل المصلحة الدنيوية حتى لا نخسر آخرتنا".