فلسطين أون لاين

​"أطفال بكر" إلى الجنائية الدولية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين

...
غزة - أدهم الشريف

في 16 يوليو/ تموز لعام 2014، وخلال تهدئة قصيرة تخللت ذروة العدوان على غزة في صيف ذلك العام، غادر 8 من أطفال عائلة بكر منازلهم في مخيم الشاطئ، غربي مدينة غزة، للترفيه واللعب قليلاً على شاطئ البحر، وبعد نصف ساعة بالتمام والكمال تحولت أجساد أربعة منهم إلى أشلاء بفعل صواريخ طائرات الاحتلال.

وبعد 4 سنوات من قتلهم بصاروخين أطلقتهما طائرة حربية إسرائيلية بدون طيار، أعلن عن مزاعم "خطأ استخباري" لدى جيش الاحتلال.

ولهذا؛ باتت العائلة أكثر تمسكًا بالتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين قتلوا أطفال العائلة بدمٍ بارد، كما يقول أحد أفرادها.

ووفقًا لما جاء في تقرير للشرطة العسكرية الإسرائيلية حول الاعتداء، فإن شهادات الضباط في التحقيق تؤكد أن مشغلي الطائرات غير المأهولة اعتقدوا نتيجة خطأ أن الأطفال هم جنود في فصائل المقاومة، على حد ادعاء التقرير.

والأربعة الذي استشهدوا في ذلك القصف من عائلة بكر، محمد (11 عامًا)، وإسماعيل، وعاهد، زكريا، وكان ثلاثتهم في العاشرة من أعمارهم حين وضعت قوات الاحتلال الإسرائيلي حدًا لحياتهم.

"كانوا في مدرسة واحدة ودائمًا يرافقون بعضًا" يقول رامز بكر والد الطفل الشهيد محمد.

تبدو الحسرة واضحة في صوت بكر البالغ (46 عامًا)، على نجله محمد، ذاك الطفل الذي رزق به بعد سبع شقيقات أبصرن النور من قبله.

"كان الجميع يحرص على عدم ترك الأبناء خارج البيوت بفعل القصف الإسرائيلي الذي يطال كل شيء"، يضيف بكر لـ"فلسطين".

أما الأطفال الأربعة الذين أصيبوا، كما يقول، فهم في حالة صعبة، وما زالوا يتلقون علاجًا نفسيًا، ولا يعيشون حياة طبيعية بعد جريمة القصف العالقة في أذهانهم.

وكان بكر واحد من الذين عايشوا اعتداءات بحرية الاحتلال على الصيادين عن قرب في عرض البحر المتوسط، وقد صادرت بحرية الاحتلال قاربين يملكهما، أعادت أحدهما لاحقًا وأبقت على احتجاز الآخر.

ويقول: "من خلال ما رأيناه، جيش الاحتلال بالإمكانيات التكنولوجية التي يملكها لا يمكن أن يخطئ".

وبات الأب المكلوم على يقين أن جيش الاحتلال تعمد قتل الأطفال.

وفي التفاصيل، لم تكتفِ طائرة حربية بدون طيار مسيرة عن بعد، بإطلاق صاروخ واحد تجاه الأطفال، وأتبعته بعد ثوانٍ معدودة بصاروخ آخر.

ووفقًا لتقرير نشره موقع " The Intercept"، وثقت طائرة غير مأهولة من طراز "هرميس 450" ثمانية أشخاص يتقدمون من منطقة الشاطئ بالقرب من الرصيف الشمالي لميناء الصيادين.

ولاحقًا، وصلت طائرة أخرى غير مأهولة إلى أجواء المكان وأطلقت الصاروخ الذي قتل أحد الأطفال وجرح آخرين، وبدأ بقية الأطفال بالهرب على طول الشاطئ.

ويستدل من مراجعة تحقيقات الشرطة العسكرية الإسرائيلية، التي تم تحريرها قبل نقلها إلى الموقع الإلكتروني، أنه في هذه المرحلة طلب مشغلو الطائرات غير المأهولة توضيح الحدود الدقيقة لمجمع عسكري استهدفته طائرات الاحتلال مسبقًا في المكان، لأن الأطفال اقتربوا من منطقة أقيمت فيها مظلات وخيام مدنية على شاطئ غزة.

ولم يتم الرد على طلب المشغلين، ورغم ذلك قاموا بعد نصف دقيقة بإطلاق صاروخ آخر أسفر عن استشهاد ثلاثة أطفال آخرين وإصابة أربعة.

وقال مدير البحث الميداني في مركز الميزان لحقوق الإنسان سمير زقوت، إن المعلومات الواردة تفيد بما لا يدع مجالاً للشك أن مشغلي الطائرات غير المأهولة أطلقوا النار وهم غير متأكدين إن كان الهدف مدنيا أو عسكريا.

وفي اتصال هاتفي، قال زقوت لـ"فلسطين"، إن القانون الدولي يكفل حماية المدنيين، وينص على أنه إذا ما حدثت شكوك حول شخص مدني أو عسكري، فيجب اعتباره مدنيا والامتناع عن استهدافه طالما أن هناك شكا، لأن قتل المدنيين من المحظورات الدولية، وانتهاك جسيم لاتفاقية "جنيف".

وأضاف: "أن هذا يشير إلى خطأ ارتكب من جيش الاحتلال، ويجب أن يعاقب المسؤول عن استهداف الأطفال، وأن يجبر ضرر الضحايا.. وهذا أقل شيء ممكن أن تقوم به سلطات الاحتلال".

لكن زقوت قال إن (إسرائيل) تتحول إلى كيان عنصري تتواطأ فيه السلطات المختلفة، بما فيها منظومة القضاء، والتشريعات الصادرة عنه، ولجان التحقيق المشكلة في جرائم جيش الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين.

وكانت مؤسسات حقوق الإنسان، المركز الفلسطيني، ومركز الميزان، ومركز عدالة لحماية حقوق الأقلية العربية في (إسرائيل)، رفعوا مذكرة للمحكمة الجنائية الدولية، وكانت حصرًا تناقش فشل النظام القضائي داخل دولة الاحتلال في تحقيق العدالة وفشل دولة الاحتلال في الوفاء بالتزاماتها القانونية.

وطالبت المذكرة بناءً على ذلك المحكمة الجنائية وكل القضاء الدولي حول العالم، بأن يمارس اختصاصه في ظل فشل قيام دولة الاحتلال عن هذا الواجب.

وقال زقوت إن المذكرة الأخيرة كانت مليئة بالقضايا التي تابعها مركز الميزان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، سواء طلبات التحقيق أو القضايا التي وصلت إلى أبعد من ذلك، بينما كانت ردود جيش الاحتلال تشير إلى عدم الاكتراث بها.

والهدف من هذه المذكرة، وفق مدير البحث الميداني في مركز الميزان الحقوقي، إثبات أن الجنائية الدولية يجب أن تتحرك وتقوم بدورها، لأن القضاء الإسرائيلي لن يأتِي بنتيجة لصالح الضحايا.

وأكّد مركز "عدالة" في بيانٍ، أمس، حصوله على شهادات خاصة تُسلّط الضوء على جريمة قتل أطفال عائلة بكر بواسطة طائرة إسرائيلية مُسيّرة، مُبيّنًا أن الشهادات التي حصل عليها المركز من شهود عيان، تُثبت أن جرائم القتل الإسرائيلية كانت غير قانونية.

وقال "عدالة" إن هذه الجريمة وتجاهل المستشار القضائي لحكومة الاحتلال لها رغم التوجه له، تؤكّد أن آلية التحقيقات الداخلية الإسرائيلية لا يمكن أن تُنصف الضحايا.

وطلب المركز من المستشار القضائي لحكومة الاحتلال فتح تحقيق جنائي وتأجيل التحقيق العسكري، إذ أشارت شهادات الجنود الضالعين في الغارة بوضوح إلى وجود إهمال جسيم لحقوق وحياة الإنسان.

يشار إلى أن قتل الأطفال الأربعة، أبطل مفعول التهدئة لساعتين فقط آنذاك، وعاد الاشتباك مجددًا بين فصائل المقاومة العسكرية في غزة وجيش الاحتلال الذي استخدم أعتى أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليًا طيلة 51 يومًا من العدوان على القطاع المكتظ بالسكان.