فلسطين أون لاين

​وحيد أُمِّه.. زوج اتكاليّ عديم المسؤولية

...
غزة - صفاء عاشور

تعاني الكثير من السيدات من زواجهنّ من رجل هو وحيد أهله، الأمر الذي يجعل حياتهنّ بعد الزواج جحيمًا لا يطاق بسبب اتكالية الزوج واعتماده شبه الكامل على أهله في كل صغيرة وكبيرة تخصّه، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على حياته مع زوجته.

فما كان يرضاه في السابق من تدخل كبير من الأهل بحياته لم تعد ترضى به الزوجة والتي تعُدُّ اتكاليةَ زوجها ضعفًا في الشخصية وعدم تحمل للمسؤولية، الأمر الذي يكون بداية لمشاكل عدة فيما بينهما.

غير متحمّل المسؤولية

دعاء حسين (اسم مستعار) 35 عامًا تعيش في مدينة غزة، تزوّجت في سنٍّ صغيرة حيث كانت لا تزال تدرس في الجامعة، ولكن جمالها الكبير دفع الكثيرين لطرق باب بيت أهلها طلبًا للزواج، ليكون نصيبها مع زوج هو وحيد والديه.

وقالت في حديث لـ"فلسطين": "لم أكن كبيرة كفاية لأدرك ما معنى أن يكون الشاب وحيد والديه، ولم يكن هناك الوقت الكافي لمعرفة شخصيته"، ليتم الزواج وتسكن دعاء في شقة مجاورة لشقة والديّ زوجها.

وأضافت: "كان زوجي اتكاليًّا ومعتمدًا بشكل كلي على والديه، اللذين من شدة الخوف عليه من الحسد كانا يعاملانه معاملة الفتيات، حيث كانا يربيان له شعره ولا يسمحان له بالخروج من المنزل وحده أو اللعب مع أطفال الحي".

واستدركت: "في بداية زواجي لم تكن هناك مشكلات تذكر ولكنها بدأت تظهر بعد إنجابي، حيث أكرمني الله بأربع بنات وهو ما لم ينَل رضا زوجي ولا والديه الذين يريدون ذكورًا يحملون اسم العائلة".

وأوضحت أنه مع كل أنثى تولد تزداد المشكلات، ليصبح الزوج بعدها غير متحمل لمسؤولية البيت أو البنات، مردفةً: "كأنه كان يشعر أنه طالما أنه لا يوجد ولد فلا داعي لتحمل مسؤولية بنات لن يبقوا في بيته بعد ذلك".

ولفتت دعاء إلى أن هذا الأمر جعل من زوجها يتوقف عن عمله الذي كان يمارسه من قبل وهو العمل في صيدلية خاصة به، وإضاعة وقته برفقة أصدقاء السوء، محمّلًا مسؤولية البيت والعائلة لها خاصة بعد أن استطاعت إكمال تعليمها وافتتاح مشروعها الخاص بها بمجهودها الشخصي ومعاونة أهلها لها.

ونبهت إلى أنها حاولت التحدث مع والدي زوجها بخصوص إهماله بحقها هي وبناتها، إلا أنها فوجئت بموقفهم المعادي لها والمآزر لزوجها الاتكالي الذي أصبح يعتمد عليها في كل شيء، وإن نقص شيء يستعيض عنه بما هو موجود عند أهله.

مظهر خداع

من جهتها، تعيش نور عبد الهادي (اسم مستعار) (25 عامًا) حياة فيها استسلام غريب لواقع غير طبيعي، فهي تزوجت ولم تبلغ بعد السابعة عشرة، خدعها مظهر زوجها الجذاب وغنى أهله الفاحش وجذبتها الامتيازات والحياة المرفهة التي كانوا يعيشونها.

وأوضحت في حديث لـ"فلسطين" أن فترة خطوبتها كانت مثالية فجميع من حولها من الفتيات كانوا يحسدونها على هذه الزيجة والتي كان يتوقعون أن تعيش بعدها في مثالية ورفاهية غير عادية بسبب الغنى الكبير لعائلة زوجها.

وقالت نور: "ولكن زوجي كان وحيد أهله بعد وفاة أخيه الأصغر، ووجود أخوات لديه من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبالتالي أصبح الجميع يصب اهتمامه عليه وعلى توفير كل ما يحتاج إليه".

وأضافت نور: "هذا الاهتمام جعل من زوجي رجلًا اتكاليًا لا يقوم بأي أعمال، فأبوه يوفر كل ما يحتاج إليه من خارج المنزل وأمه توفر له احتياجاته داخل المنزل"، لافتةً إلى أنها تبينت هذه الحقيقة بعد زواجها والعيش مع العائلة في بيت واحد.

وبينت أنه منذ السنة الأولى لها في بيت العائلة تغيرت معاملة الجميع معها، فالجميع أصبح يريد منها إنجاب الطفل الذكر الذي سيحمل اسم العائلة، مستدركة: "ولكن الأمر لم يقتصر على ذلك بل امتد إلى جعلها سجينة لبيت هذه العائلة ومنعها من الخروج منه أو حتى زيارة أهلها".

ونبّهت نور على أن التحكم فيها كان من طرف والديّ زوجها الذي لم تكن له كلمة في كل ما يقومون بتخطيطه لحياته وحياتها معه.

وأردفت: "سلبية زوجي واتكاله على أهله جعلني في البداية أغضب وأتسبب بعمل مشكلات ولكن في النهاية استسلمت للواقع الذي أعيشه، رغم أني أموت في اليوم مائة مرة ولكن لا مجال لتغير ما غرسه حمواي في نفس ابنهم طوال 30 عامًا".

الاتكالية منذ الصغر

بدوره، أكد أخصائي الصحة النفسية د.إسماعيل أهل أن غرس الاتكالية في الإنسان يبدأ منذ سنوات عمره الأولى، ويكون مسؤولًا عنها بشكل مباشر الأم والأب، من خلال الحرص الزائد على الطفل وإبعاده عن الاختلاط بالمجتمع خوفًا عليه.

وقال أهل لـ"فلسطين": إن "الوالدين يعملون على توفير كل ما يحتاج إليه للطفل؛ خاصة إذا كان الوحيد لديهم، وهو ما يخلق شخصية اتكالية تأسست على الاعتماد على الغير".

وأضاف: "ويأتي الدور بعد ذلك على الزوجة التي يُفرض عليه التعب والمسؤولية بعد أن كان هذا الأمر مرتبطًا بالوالدين، وهو ما يمكن أن ترفضه الكثير من الزوجات التي لا يعجبها الرجل الاتكالي وغير المتحمل لأي مسؤولية".

وأوضح أن الرجل في هذه الحالة يتعامل مع زوجته كما كان يتعامل مع والديه بأنها يجب أن تخدمه وتوفر له كل ما يعمل على راحته ويعتمد عليها اعتماد كليًّا، لتتحول أحلامها من السعادة إلى التعاسة.

ولفت إلى إمكانية انتقال هذا السلوك للأبناء لأنه حسب الدراسات التربوية فإن الأطفال يكتسبون التصرفات والسلوك بنسبة 60% من الأب و40% من الأم وبالتالي تكون نسبة أن يكون الطفل مشابهًا لأبيه كبيرة.

واستدرك أهل: "ولكن في بعض الأحيان قد تكون شخصية الطفل متمردة ولا تعجبه الشخصية الاتكالية، بسبب دعم الأم لتغيير سلوكه منذ الصغر وبالتالي يمكن أن لا يكتسب هذا الصفة من الوالد ويكرهها ويبتعد عنها".