يبدو الاعتصام تحت الشمس الحارقة في مقر وكالة "أونروا" بغزة، أهون على مئات اللاجئين من العودة إلى منازلهم التي بات ينتظرها مصير مجهول، إثر فصلهم من العمل بذرائع مالية، يجزمون أنها سياسية.
هذا المشهد داخل مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، أما خارجها فثمة آلاف المتضامنين والموظفين الذين يخشون أن تصيب إجراءات "أونروا" حقوقهم في العمل، وقوت ودواء أبنائهم.
أحد هؤلاء اللاجئين المفصولين المعتصمين، فضل عدم كشف هويته خشية أن تتخذ "أونروا" بحقه إجراءات أخرى، لديه طفل يعاني من مرض نادر ويحتاج إلى 500 دولار شهريا لشراء العلاج. يقول لصحيفة "فلسطين" عن طفله: "كل يوم بيموت وأنا بموت معه".
وتحولت ساحة "أونروا" في غزة، إلى لوحة نضال يشكلها الموظفون المفصولون لاستعادة حقوقهم.
ويصف الموظف المفصول قرار الوكالة بأنه "إعدام"، مبينا أن لديه ستة أبناء، ومن شأن قرار "أونروا" أن يحرمهم الملبس والمأكل والمشرب والحق في التعليم والعلاج.
وكان هذا اللاجئ موظفا في أونروا منذ 16 عاماً على برنامج الميزانية العامة، قبل أن يتم تحويله لبرنامج الصحة النفسية دون أن يدري أنه ضمن برنامج الطوارئ، ليجري أخيرا إبلاغه بذلك، وبفصله.
وسيؤدي قرار "أونروا"، والكلام هنا لزميل له رغب بعدم الإفصاح عن اسمه، إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية، قائلا لصحيفة "فلسطين": "مش عارف ايش بدي أحكيلك، أسرتي 10 أفراد، ثلاثة منهم في الجامعة".
ويعمل هذا الموظف المفصول في "أونروا"، منذ 20 عاما، وجرى إبلاغه بأنه "فائض وظيفي"، في خطوة يصفها بأنها "بشعة، وأسلوب إداري بدون رحمة".
وحسبما يفيد، لن يحصل حتى على مستحقات لأن عمره يقل عن 50 عاما، مضيفا: "هذا موت وخربان ديار".
ويتمنى لو عاد لابنه المريض ببشرى بقائه في عمله، ليتمكن من دفع 100 دولار شهريا لعلاجه، وتوفير مستلزمات أبنائه الآخرين.
مخاوف
في أثناء ذلك، ضجت الساحة الأمامية لبوابة مقر الوكالة بالموظفين اللاجئين المتضامنين، والذين تراودهم أيضًا مخاوف من أن يتعرضوا لنفس المصير.
من بين هؤلاء هبة قاسم (38 عاما) لديها خمسة أطفال، أكبرهم 14 عاما وأصغرهم عامان.
تعتقد قاسم، التي تحدثت لصحيفة "فلسطين" وسط كلمات حماسية للمشاركين في الوقفة، أن قرار الفصل قد يلحق بموظفي "أونروا" الآخرين، معبرة عن افتقارها للشعور بالأمن الوظيفي.
وإذا تعرضت هذه السيدة لقرار مماثل من الأونروا، سيعيق ذلك إمكانية تسديد 50 ألف دولار أقساط شقة جديدة تسكن فيها حاليا.
وتضيف: "لدينا التزامات كبيرة جدا شهريا، وأي تقليصات ستلحق بنا ضررا معنويا وماديا ونفسيا ومن كل الجهات".
وترى أن المشكلة تمس 13 ألف موظف في وكالة الغوث. ويشاركها التخوف عوض الكفارنة (48 عاما)، الذي يقول لصحيفة "فلسطين": "إذا سكتنا عن حقنا سنلقى نفس المصير".
وتتكون عائلة هذا الموظف من 10 أفراد أكبرهم أنهى الثانوية العامة أخيرا، وأصغرهم في الصف الرابع الابتدائي.
وفي حال تعرض لقرار مماثل، يقول سينعكس ذلك على أولاده، مبينا أنه يسكن في منزل بالإيجار، فضلا عن أن ابنه يدرس في الجزائر ويحتاج إلى 200 دولار شهريا.
وتبدو ذات المخاوف على الموظفة سناء البهنساوي، لكنها تظهر تصميما على المطالبة بالحقوق ومواصلة الاعتصامات.
وخلال وقفتها أمام مقر الوكالة، تقول لصحيفة "فلسطين"، إنها تعمل في أونروا منذ ثماني سنوات، وهي المعيل الوحيد لأسرتها المكونة من أربعة أفراد، محذرة من تداعيات أي قرارات فصل جديدة، إذ إن من شأنها أن تلقي بأسرتها "في الشارع"؛ وفق تعبيرها.
وتضيف: "نحن تعبنا واجتهدنا. هذا (البقاء في الوظيفة) حقنا، وقد جئت هنا لأتضامن مع موظفي الطوارئ (المفصولين) ولن نسمح بأن تمر المؤامرة".
وتريد هذه اللاجئة تحقيق حقها في العودة كشرط قبل أن تتخلى الوكالة عن مسؤولياتها تجاه اللاجئين.
وينتاب الشعور "بالتهديد" في الأمن الوظيفي، موظفا آخر في "أونروا" طلب عدم كشف اسمه، مبديا تخوفه من أن يتعرض لقرار فصل يلقي بظلاله على حياة 11 فردا في أسرته التي تضم طالبة في الجامعة.
ويقول لصحيفة "فلسطين": "لو انفصلت مصيبة"، مؤكدا أن ذلك لو حصل سيحد قدرته على دفع رسوم الجامعة لابنته، وتلبية احتياجات أبنائه الآخرين، لعدم توفر بدائل.
والمطلب الذي يشدد عليه هذا الموظف (يعمل منذ 14 عاما في أونروا) هو تحقيق الأمن الوظيفي كحق له ريثما يتمكن من العودة إلى دياره التي هجر منها.
وحسبما يفيد لم يتقاض راتبه عن شهر تموز/يوليو حتى أمس، على غير عادة، إذ إنه يجري صرف الرواتب بحد أقصى في 28 من كل شهر، مدرجا ذلك في إطار "سياسة تضييق".
ويجزم بأن القضية لا تتعلق بالأموال، وإنما هي "قضية سياسية ليس أكثر".