لا يبقى المسلم على الوتيرة الإيمانية نفسها؛ فقد يغويه الشيطان لارتكاب ذنب والوقوع في وحله، فيسهل له الطريق إلى ذلك، ولكن في لحظة ما قد يستفيق من غفلته لانغماسه في هذا الذنب ليختار طريق التوبة والرجوع إلى الله، ولكن بعض قد يمل من الذنب فيلجأ إلى التوبة، فهل الملل دافع إلى التوبة؟، خاصة أن الذنب هذا كتأثير الإدمان في الجسد، ومجرد الملل من الذنب لا يمنع أن يغويه الشيطان لارتكاب ذنوب أخرى، أما التوبة فهي الشعور بقبح الذنب والخجل من الاستمرار به.
قال الداعية مصطفى أبو توهة: "إذا بلغ الإنسان سن التكليف فهذا إعلان بدء معركته مع الشيطان الرجيم بكل أسلحة الشبهات والشهوات، وذلك مصداق لقوله (تعالى) على لسان إبليس اللعين: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}".
وبين أنه بحكم الضعف الإنساني الذي أشار إليه قوله (تعالى): "وخلق الإنسان ضعيفًا" إن جولات الصراع بين الإنسان والشيطان سجال جولة له، وجولات عليه، ومن صور المعارك الناشبة بينهما إيقاع بني آدم في الأخطاء والمعاصي، ولابد وحتمًا أن تزل قدمه يومًا من الأيام، فالعصمة لله ورسوله، وقد قال (صلى الله عليه وسلم): "كل ابن آدم خطاء".
وأشار أبو توهة إلى أنه يستحيل على الإنسان ألا يقع في خطأ إما باجتراح المعايب، أو بالقصور عن الوصول إلى الكمال والتمام، ولذا إن الإنسان المسلم بحكم علاقاته بالغفور الرحيم دومًا في مجاهدة لنفسه من أجل الفرار مما يوقعه متشبثًا بنداء ربه: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".
وأضاف: "فهو يهرب من الذنب خوفًا من تكاليفها في دنياه التي أخبر عنها قوله (عليه الصلاة والسلام): "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"، وقول ابن مسعود: "إن الرجل ليذنب الذنب فينسى الصورة من القرآن والباب من العلم"، وقول علي (رضي الله عنه): "ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع ذلك البلاء إلا بتوبة"، والآثار المدمرة كثيرة".
وبين أبو توهة أن الإنسان الذي حرم التوفيق والثبات علاقته بالله واهية؛ فيتخلى عنه ربه، فيحرم المعية الخاصة بالصالحين الواصلين بالله رب العالمين، فيتركه وشيطانَه ليكون بيده كريشة في مهب الرياح، أو كالكرة بيد الصبيان يتقاذفونها يمنة ويسرة، الأمر الذي يجعله يلهو ويعض من مياه المعصية المالحة التي تزيده عطشًا فلا يستطيع منها فكاك، لأنه أصبح أسير شهواته وأسير نفس أمارة بالسوء.
وتابع حديثه: "باعتقادي أن هذه النفس الأمارة بالسوء لا تصرفه عن معصيةٍ ما، مع أن النفس بطبيعتها ملولة، والملل من كواذب الأخلاق، وبذلك لن يترك هذه المعصية إلا إذا حرم الوصول إليها، أو لم تتيسر هي بين يديه، كقصة الثعلب الذي حاول أن يتسلل إلى بستان فلما أعيته الحيلة ونصب يديه قال: "اللهم لا تجعل بيننا وبين الحرام سبيلًا".
ولفت إلى أن معصية هذا الهارب تستدعي معاصي أخرى، إن لم تتداركه رحمة ولطف من الرحمن الرحيم، فيعود إلى رشده، ويرجع إلى عقله، والعود إلى العقل نصف الطريق، والنصف الثاني هو توفيق الله (تبارك وتعالى) فيقلع على الفور عن الخطأ الذي تورط فيه.
وبين أبو توهة أنه إن لم يستطع كان ضحية الإدمان، والذي هو علاقة عضوية، إذا تخلل المدمَن عليه في خلاياه أصبح جزءًا عضويًّا، فعليه أن يلجأ إلى الجهات المختصة والعيادات التي أوقفت نفسها لهذا الأمر.
وختم حديثه: "هذا الإقلاع ينبغي أن ينضم إليه ندم وحسرة على ما اقترفه، وكما قال (عليه الصلاة والسلام): "الندم توبة"، ثم بعد ذلك إن كان هذا الذنب أو الخطأ له علاقة بحقوق الناس الأدبية أو المادية؛ فعليه أن يعيد الحق لأهله، وأخيرًا يتوج تلك المراحل بالعمل الصالح كما قال (تعالى): "ومن تاب وعمل صالحًا فإنه يتوب إلى الله متابًا"، فليس العيب أن تخطئ لكن العيب أن تستمر بالخطأ".