يختم ربنا آية فرض الصيام بنتيجة مرجوةٍ هي "لعلكم تتقون".
التقوى لغةً هي الصون والحماية، وينحصر مفهوم "التقوى" في الوعي الجمعي لدى عامة الناس في الخلاص الفردي والزهد في الدنيا، والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل، وهنا السؤال: ألا يتعارض هذا وفكرة الإصلاح والاستخلاف في الأرض، بمعنى آخر: كيف نوفق بين الأمر بالتقوى والأمر بالإصلاح؟
دعونا نتأمل آية أخرى اختتمها ربنا أيضًا بالنتيجة المرجوة نفسها "التقوى": "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، وتُعلل ضرورةُ الأخذ بالقِصاص بأنه يشكل حماية ووقاية للمجتمع من التفتت والتناحر.
وآية البِر التي فسرت صفات المتقّين، كما تحدثت عن إيمانهم بالله ورسله والكتاب ... تحدثت عن الإنفاق على ذوي القربى واليتامى والمساكين، والوفاء بالعهد، والصبر في البأساء والضراء، ثم ختمها ربنا بقوله: "وأولئك هم المتقون".
ما أريد أن أقوله هنا أن "التقوى" ليست بحد ذاتها وقاية وحماية فردية، لكنها صون وحماية للمجتمع، هي تبدأ بالفرد كونه اللبنة الأساسية للمجتمع، ثم يجب أن تمتد إلى باقي تفاصيل المجتمع، ولولا ضرورة هذا الفهم لما أمر الله بإهلاك قرية من القرى وفيها رجل صالح، لم يعصِه طرفة عين، لأنه لم يتمعر وجهه لما فيها من فساد.
أي أن الله بالصيام كما يدفعنا إلى إصلاح ذواتنا ومقاومة ضعف نفوسنا هو يريد منا أن نحمل هموم مجتمعنا وأمتنا، وأن نتفقد أحوال جيراننا، وأن ننفق على الفقراء والمحتاجين، فيكون بذلك الصيام تقوىً للمجتمع كما هو للفرد، وبذلك تتحقق "لعلكم تتقون" نتيجة مرجوة لهذا الفرض العظيم.