فلسطين أون لاين

​يقدمون خبراتهم للمستخدمين

شبابٌ يفكُّون "عقدة" اللغات في "مدرسة" مواقع التواصل

...
عماد أبو تركي
غزة - هدى الدلو

في ظل سرقة مواقع التواصل الاجتماعي لأوقات معظم مستخدميها، يعمل بعض المستخدمين على الاستفادة منها كوسيلة تعليمية حديثة، يسعون من خلالها إلى تطوير قدراتهم في مجالات مختلفة، وأكثر من ذلك أنهم يوفروا الفائدة لغيرهم أيضًا، فيبثون خبراتهم عبر هذه المواقع ليوصلوها لكل الراغبين بالتعلم، ومن ذلك تعليم اللغات.

"فيس بوك"، و"يوتيوب" و"سناب شات"، وغيرها من مواقع التواصل، حوّلها شباب فلسطينيون إلى غرفٍ صفيّة يعقدون فيها دروسًا في لغات مختلفة، وهم بذلك يقدّمون الفائدة لغيرهم، ويحققون فوائد أخرى لأنفسهم.. "فلسطين" حاورت اثنين من هؤلاء الشباب وأعدّت التقرير الآتي.

لتحسين المحتوى

مدرس اللغة الإنجليزية عماد أبو تركي، فكّر باستثمار مواقع التواصل في التعليم، وخاصة بعدما رأى أن أغلب المحتوى الذي يُنشر على تلك المواقع "تافه وغير مفيد"، فقرر أن يساهم في تحسينه.

قال لـ"فلسطين": "عملت على استخدام مواقع التواصل بشكل إيجابي، ونشر محتوى مفيد لكل شخص يستخدمها، بدأت بنشر مقاطع فيديو من داخل الغرفة الصفية، أنقل فيها تفاعل طلبتي في أثناء حصة اللغة الإنجليزية، ثم صوّرت مقاطع عن مصطلحات بالإنجليزية، ومقاطع أخرى تشرح قواعد اللغة، وغير ذلك".

وأضاف: "وذلك من أجل الوصول إلى الهدف العام وهو إيصال رسالة بأن اللغة مهمة، وعلى الجميع أن يتقنها، ولذا أساعد الآخرين على تعلمها عبر مقاطع فيديو تعليمية ليجدوها أسهل مما يظنون".

وأوضح أبو تركي أن نشاطه التعليمي يعود بالفائدة عليه بالمقام الأول، بفعل مراجعته للمعلومات التي ينشرها عبر مواقع التواصل.

وأشار إلى أنه يراعي مجموعة من المعايير فيما يطرحه من معلومات، هي أن تعود بالفائدة على أي شخص يرغب بالاستزادة من اللغة الإنجليزية، فالمعلومات التي يقدمها ليست موجهةً لفئة دون الأخرى.

درس أبو تركي البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها، ومن ثمّ درس ماجستير في الترجمة الشفوية والتحريرية، ويتابع كل جديد يخص اللغة، ويقرأ الأخبار بها، إضافة إلى مشاهدة العديد من الأفلام لإتقان استخدامات المصطلحات، وذلك ليطور نفسه، ويطور المحتوى الذي قدمه، فيفيد متابعيه.

وقال: "ربما لو لم يتفاعل معي الناس لما استمررت، ولكن التفاعل يجبرني على أن أكون أهلاً لثقة المتفاعلين معي، مع الاستمرار في تصوير مقاطع الفيديو ونشرها", مضيفا: أن "التفاعل كبير من جميع أنحاء العالم العربي حيث إن الجميع يشترك في أن اللغة الإنجليزية أشبه بـ(عقدة) تواجههم".

ومن المشاكل التي يواجهها أن نسبة وصول المنشورات في (فيس بوك) للمستخدمين تكون ضعيفة أحيانا، كما أن تحديث "سناب شات" الأخير يقلل نسبة وصول القصص للمتابعين.

ويطمح أبو تركي للاستمرار في المشوار الذي بدأه، وأن يفيد كل من يرغب بالاستفادة والاستزادة في مجال اللغة الإنجليزية.

الصديقان "جوجل" و"يوتيوب"

الشاب محمد تلالوة من قرية "تعنّك" شمال غرب مدينة جنين، كان شغوفًا باللغة منذ نعومة أظفاره، ففي عمر الحادية عشرة كان يستخدم الحاسوب في منزله لتصفح مواقع عربية، وأجنبية، رغم بطء اتصال الإنترنت والحاسوب، وكان مهتمًا باكتشاف معنى كل كلمة في شريط المهام، وكان يدخل إلى لوحة النظام الخاصة بالجهاز، وينظر إلى كل كلمة بالإنجليزية، ويجرب الضغط عليها؛ ليرى وظيفة كل أيقونة، أحيانًا يلجأ لقاموس "أوكسفورد" الورقي في المنزل، ليبحث عن المعنى المراد، ويستزيد من هذا مرارًا وتكرارًا.

وكان يستمع لأغاني بالإنجليزية، والفرنسية، وأحيانًا الرومانية، حتى بزغت شمس الفضول، وبدأ بالبحث عن اللغات وتعلمها، ووصل الآن إلى إتقان أربع لغات إلى جانب لغته الأم "العربية، وهذه اللغات هي الإنجليزية، والتركية، والإسبانية، والفرنسية.

قال تلالوة لـ"فلسطين": "بحثت في محرك البحث (جوجل) عن اللغة الفرنسية، وأخذت أستمع إلى حروفها، كوني سمعت عنها بينما كان بعض شبان القرية، والأجانب يتحدثون عنها".

وأضاف: "مرت الأيام وأنشأت حسابا على (فيس بوك) في منتصف 2012، وكنت أرى العديد من المجموعات التعليمية المفيدة، والتي كانت تعنى باللغات، مثل الإنجليزية، والعربية، والتركية، وغيرها من اللغات، لكني كنت أركز على الإنجليزية، كوني أتعلمها في المدرسة يوميًا، وكذلك لأنها لغة العرض في الحاسوب أيضًا".

أصبح يتحدث بالفرنسية أمام أصدقائه في المدرسة، حتى ذاع نبأ أنه يجيدها، وواصل تعلمها ليثبت لنفسه أنه قادر على ذلك.

وأوضح: "كان هدفي استكشاف اللغات، والغوص في بحورها، وأينما أذهب كنت أحمل دفترًا صغيرًا وقلمًا، أدون الكلمات المكتوبة على إشارات المرور، بالإنجليزية أو بأي لغة أخرى".

في المرحلة الجامعية، التحق تلالوة بتخصص اللغة الانجليزية، واستخدام قواميس الكترونية في الجامعة العربية الأمريكية، وكان لا بد من الانترنت كي يطور مهاراته، فلجأ إلى "يوتيوب" ومقاطع الفيديو التعليمية متعددة المصادر، ليتعلم منها النطق السليم.

لاحظ وجود أعداد كبيرة من الراغبين باكتشاف اللغتين التركية والإسبانية، فأخذ خطوة في ذلك، إذ أوضح: "استعنت بصديقيّ (جوجل) و(يوتيوب) لأبحث عن الحروف التركية، كي أتعلمها وأُعلمها للمهتمين".

وفي عامه الجامعي الأخير، كان يسجل مقاطع تعليمية وينشرها عبر الإنترنت ليستفيد منها الطلبة، ورغم قصر مدة هذه المقاطع إلا إعدادها كان يحتاج لوقت وجهد، وقد بذلهما لأنه هو أيضًا يستفيد منها في صقل شخصيته، واكتساب المهارات الحياتية، ومهارات القيادة الصفية، واللغوية دون الالتحاق بأي دورات.

فائدة واستفادة

وقبل تخرجه بفترة قصيرة، بدأ يجهز لتعليم الطلبة إلكترونيًا، مستوحيا الفكرة من خبرته التي اكتسبها في مجال التعليم وبعض الجامعات الأجنبية التي تعلم معظم موادها عبر الإنترنت.

وأوضح: "كانت الفكرة جديدة في المجتمع الفلسطيني، وتطبيقها قد يخفف العبء على بعض الطلبة الذين يرغبون في التعلم، ويعيقهم بعد المسافة، وكذلك من المعروف أن بعض الطلبة لا يفضلون الاحتكاك بغيرهم خلال العملية التعليمية، لأسباب كالخجل، والشعور بالإحراج أمام المعلم، وبالتالي، رأيت أن فكرة التعليم الإلكتروني فكرة مجدية، خاصة في ظل وجود أعداد كبيرة من الشباب يضيعون أوقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي دون فائدة".

بدأ بتنفيذ فكرته، فأعلن عن دورات يقدّمها عبر الإنترنت، بأسعار رمزية، ويمكن لمن لا يملك ثمنها أن يلتحق بها مجانا، وذلك للتسهيل على أبناء الشعب، فالهدف مثل هذه الدورات أن تعم الفائدة، على حد قوله.

ويعمل تلالوة من خلال تلك الدورات على تشجيع فكرة التعلم، وتحديدا التعليم الإلكتروني، لما يوفره من وقت وجهد، ولكونه يخفف من سلبيات استخدام الإنترنت، وإضاعة الوقت، إلى جانب خدمة أكبر عدد ممكن من الطلبة والراغبين في التعلم، ونشر رسالة العلم والتعليم، وتشجيع الشباب الفلسطيني على الاستفادة من الوسائل المتاحة في خدمة أهدافهم، فلا مشكلة في حال عدم توافر مركز تعليمي، لأن التعليم الإلكتروني قد يكون حلا مثاليًا، إلى جانب تحقيق دخل بسيط، يعينه على قضاء حوائجه اليومية.

ويهدف إلى إنشاء منصة تعليمية كبرى على الإنترنت، تتضمن كتبًا إلكترونية، وموسوعات تعليمية عربية، وأجنبية مترجمة، ودروسًا في اللغات سهلة المنال، ليوفر عناء البحث عن المصادر التعليمية الأجنبية وترجمتها.

ولفت إلى أن عمله في تعليم اللغات يعود عليه بالفائدة، فهو يراجع المعلومات التي تعلمها في الماضي، ويطوّر مهاراته من خلال مواكبته للوسائل التعليمية عبر الإنترنت، واستخدامها فيما يفي بأغراض التعليم، كما يتواصل مع أهل اللغة التي يتعلمها، فيستفيد منهم ثقافيًا، كالتعرف على العادات، والتقاليد، والتعابير المستخدمة في مواقف معينة، فإتقان لغة ما يستلزم تعلم ثقافة الشعب المراد تعلم لغته

في بداية الأمر، كان التفاعل قليلًا على الإنترنت، ثم زاد فيما بعد، ويرجع سبب قلة المتفاعلين في أول الأمر إلى أن ثقة المتعلمين تكون قليلة في حال عدم معرفتهم جيدًا بالمعلم الذي يقدم لهم المصادر التعليمية، لافتا إلى أن ظهوره على برامج تلفزيونية ساعده كثيرًا في كسب ثقة كثير من المتابعين.

ومن المشاكل التي تواجهه، قلة عدد الراغبين في التعلم على وسائل التواصل الاجتماعي، كون الفكرة جديدة بعض الشيء، بالإضافة إلى قلّة الاحتكاك بأشخاص يتحدثون اللغات التي يتعلمها، ويعلمها، ولذا فهو يستعيض عن ذلك بالإنترنت، والمرآة، إذ يتحدث إلى نفسه كثيرًا.

ويطمح تلالوة لمواصلة طريقه في تعلم اللغات وإتقانها وتعليمها، واستخدامها في سبيل خدمة الوطن، ونشر قضاياه، ويرغب بأن يتعلم أكثر من عشر لغات، كالصينية، والألمانية، والعبرية، والفارسية، مع إعداد بحث علمي يعالج مشاكل النطق، مثل التأتأة، والتلعثم، وغيرها، وإنشاء منصة إلكترونية، وبناء مؤسسة تعنى بتعليم اللغات والموسيقا.