بتسلم حكومة التوافق كافة الوزارات والدوائر الحكومية والمعابر في قطاع غزة، بموجب اتفاق المصالحة في 12 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، انتظر سكان غزة المحاصرة إلغاء العقوبات التي فرضتها السلطة في رام الله على القطاع، وتحسن الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، لكنها وصلت للتدهور حتى وصلت إلى مستويات "غير مسبوقة" في كافة المجالات والقطاعات.
ويثير الواقع المأساوي الذي يعيشه قطاع غزة، تساؤلات عديدة، حول الإجراءات التي استخدمتها السلطة لإيصال القطاع إلى هذه المرحلة، والأهداف السياسية والاقتصادية "الخفية" التي تريد تحقيقها.
واتخذ رئيس السلطة محمود عباس عددا من الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة في نيسان/ أبريل الماضي، أبرزها تقليص نحو ثلث رواتب موظفيها، وتخفيض الكهرباء الإسرائيلية المغذية للقطاع، بالإضافة إلى تقليص حصة الأدوية والتحويلات العلاجية الخارجية.
إجراءات السلطة
ورأى الخبير الاقتصادي نهاد نشوان، أن السلطة منذ إبريل/ نيسان الماضي، ساهمت بشكل جذري في زيادة حدة الانهيار الاقتصادي من خلال فرض العقوبات على قطاع غزة وحرمان 58 ألف موظف من رواتبهم.
وأوضح نشوان في حديث لـ"فلسطين"، أن إجراءات السلطة حرمت السوق المحلي في غزة من 20 مليون دولار شهريا، ساهمت في انخفاض القوة الشرائية وندرة المال، وصولا للانهيار الذي يشهده القطاع.
وذكر أن تلك الإجراءات سبقها إغلاق جمعيات خيرية بغزة ومنع كافة التحويلات المالية إليه، ووقف كافة الجهات والهيئات التي تعمل بغزة، كصندوق الاستثمار الفلسطيني وصندوق إغاثة اللاجئين، والعديد من الصناديق السيادية.
وأشار إلى أنها نقلت كافة الهيئات والإدارات العامة للبنوك والشركات الكبرى من غزة إلى رام الله حتى أصبحت مقراتها في القطاع عبارة عن فروع، وهو ما يعتبر إقصاءً اقتصاديا.
وبين الخبير الاقتصادي، أن سلطة النقد الفلسطينية لعبت دورًا سلبيًا في إيصال قطاع غزة إلى حافة الانهيار، حيث كان واجبا عليها دراسة حركة النقد من وإلى القطاع، من خلال ضبط الصادرات والواردات.
ولفت نشوان إلى أن سلطة النقد تعمل بغزة بلا رقيب، ودون تحمل أدنى مسؤولية تجاه القطاع، مبينًا أن غزة تستورد سنويا أكثر من 4 مليارات دولار، بدون أية صادرات للعالم الخارجي.
وعن خيارات مواجهة الانهيار، ذكر أنه يجب اعتبار غزة منطقة منكوبة، ووقف استيراد السلع الكمالية التي لا يجدي دخولها نفعا اقتصاديًا في الوقت الحالي، لأن هذه السلع الكمالية يخرج ثمنها وحدات نقدية للخارج، ومد القطاع بمقومات الصمود والإغاثة لحين استكمال المصالحة، أو الذهاب لانتخابات مبكرة للخروج من هذا المأزق الاقتصادي.
وحذر من أن استمرار الواقع الحالي سيتسبب بفوضى اقتصادية في آذار/ مارس القادم، ستكون ملامحها عدم قدرة الفرد على الوفاء بالتزاماته تجاه الآخرين وتلبية احتياجات أسرته، ووقف كافة المصانع في القطاع، وانهيار كافة المنظومة الاقتصادية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة لمستويات عالية تفوق 80%.
ولفت نشوان إلى أن السلطة قامت بتضليل قطاع غزة في مسألة استلام الجباية عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، مبينًا أن المعبر يستحوذ على 70% من الجباية العامة في غزة، في حين الجباية الداخلية تستحوذ على 30%، مما أضعف من قدرة الجهات القائمة على إدارة غزة على صرف الرواتب.
صفقات سياسية
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، أن السلطة هدفت من اتفاق المصالحة، بالإضافة "لأطراف خارجية رعته"، إلى الوصول لهذه المرحلة من الانهيار، حتى يسهل إخضاعه لتمرير ما تسمى بـ"صفقة القرن"، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة، وإقامة الوطن البديل والتوطين.
ويقول الصواف لصحيفة "فلسطين": "إن الدلائل على الأرض تشير إلى أن المخطط يستهدف كسر ارادة الشعب الفلسطيني، وإيصاله لمرحلة الصفر حتى يقبل المواطن بأي شيء يعرض عليه، حتى لو كان في دولة بديلة، كما هو مطروح دولة بغزة مع أجزاء من سيناء والتي هي جوهر خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب".
وأضاف: "إن الدليل على مشاركة السلطة بهذا المخطط، هو عدم استكمال المصالحة، واستمرار التفرد في السلطة، وفرض العقوبات بكل أشكالها، ما ينذر ببدء الخطوات الأولى باتجاه انهيار القطاع".
وأعرب عن اعتقاده بأن السلطة والاحتلال يلعبان دورا لإيصال القطاع إلى موضوع التسليم، والقضاء على حقوق الشعب الفلسطيني، لافتًا إلى أن استمرار الوضع الحالي ينذر بأن الانفجار لن يطول كثيرا وفي كل الاتجاهات والنواحي.
وقلل المحلل السياسي، من جدية اعلان السلطة رفضها مشروع ترامب لتصفية القصية الفلسطينية، مستبعدا في ذات الوقت نجاح هذا المشروع لأن الشعب الفلسطيني - الذي لديه القدرة على الصبر والاحتمال - سيفشله.
غير قانونية
الباحث القانوني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فضل المزيني، اعتبر أن إجراءات السلطة ضد غزة "تخالف الالتزامات القانونية للمواثيق والمعاهدات الدولية التي انضمت إليها السلطة"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن السلطة لم تستكمل اجراءات الانضمام لهذه الاتفاقيات، ولم تصبح سارية عليها، وإن كانت المواثيق الدولية تعتبر ملزمة لها، لكن لا يوجد عقوبات على من ينتهكها كالسلطة في رام الله.
ويقول المزيني لـ "فلسطين": "إن السلطة تدعي أنها تريد إجبار حماس على تسليم القطاع، لكن معظم العقوبات مست المواطنين بشكل أساسي، وأدت إلى تدهور اقتصادي خطير أدى إلى افلاس العديد من الشركات، وتوقف الحياة الاقتصادية، وأن ما يحدث على الأرض لا يبشر بخير رغم توقيع اتفاق المصالحة".